والبروتستانتية المتطرفة والصهيونية ذات الديباجة المسيحية والديباجة اليهودية تتبعان منهجاً حرفياً لا أصولياً. فالجماعات البروتستانتية المتطرفة جماعات تقدم تفسيرات حرفية للعهد القديم تختلف تماماً عن التفسيرات المجازية والرمزية التي كانت تطرحها الكنيسة الكاثوليكية. ومن هنا الطبيعة الثورية المبدئية للتفسيرات الحرفية، فبإمكان المفسر الحرفي البسيط أن يتجاوز التفسيرات المؤسسية المركبة السائدة. ولكن ما يحدث أنه بعد المرحلة الثورية المبدئية، تظهر الطبيعة الرجعية المحافظة للتفسيرات الحرفية، فهي تجعل الواقع المباشر، الزماني والمكاني، مرجعيتها الوحيدة ولا تتجاوزه، فالجماعات التي يُقال لها مسيحية أصولية في الولايات المتحدة، هي في واقع الأمر جماعات حرفية، تدافع عن القيم المسيحية وعن تماسك الأسرة ومع هذا تساند اقتصاديات السوق الحر، بل سياسات أمريكا الخارجية والدولة الصهيونية. وهذا يدل على سذاجة الحرفيين، ويبيِّن مدى ارتباط رؤيتهم بالواقع الذي يرفضونه ومدى اعتمادهم عليه وعجزهم عن تجاوزه. فالاقتصاد الحر أكبر آلية لتقويض كل القيم، مسيحية كانت أم إنسانية، والدولة الصهيونية لا تلتزم بأية معايير دينية أو أخلاقية أو إنسانية. والجماعات اليهودية الصهيونية ترفض هي الأخرى التفسيرات المجازية التي طرحتها اليهودية الحاخامية لتحل محلها تفسيرات حرفية. فبدلاً من «صهيون» مدينة الإله، تظهر «فلسطين» باعتبارها موقعاً جغرافياً يصلح للاستيطان، ويتحول الشعب المختار إلى شعب بالمعنى البيولوجي الحرفي، وتصبح العودة لا عودةً خارج التاريخ بعد انتهاء الزمان وإنما عودةً فعلية وحرفية للشعب اليهودي إلى فلسطين كجماعة استيطانية في أول فرصة تسنح له (وحينما تسمح له قوته العسكرية بذلك وحسب إجراءات علمية مادية صارمة) .