ومع اختفاء دويلة يهودا الجنوبية، اختفى الوجود العبراني. فالعائدون من بابل كانوا قد نسوا العبرية ـ المصدر الأساسي لهويتهم الدينية ـ كما كانوا قد تأثروا تأثراً عميقاً بالتراث الديني في بابل. وبعودتهم تبدأ الجماعة اليهودية مرحلة جديدة في تاريخها، إذ يتحقق بقاؤها لا بسبب استقلالها وإنما نتيجة خضوعها لقوى عظمى أخرى مثل القوة الفارسية ومن بعدها القوة اليونانية. كما يتحقق هذا البقاء لا بسبب تمسُّك الجماعة اليهودية بهويتها، وإنما نتيجة تَغيُّر هذه الهوية من هوية ذات طابع ديني قومي تعبِّر عن نفسها من خلال الدولة إلى هوية دينية إثنية تعبِّر عن نفسها من خلال مؤسسات مختلفة خاضعة للقوة الإمبراطورية، مثل الكاهن الأعظم والسنهدرين وأمير اليهود (بطريرك) . وحينما اصطدمت الجماهير اليهودية تحت قيادة الغيورين بالقوة الرومانية، تم القضاء على فلسطين باعتبارها مركزاً لليهود واليهودية. ومع هذا، لم يتم القضاء على اليهود بوصفهم قوماً (إثنوس) ، لا بسبب معجزة البقاء ولكن لأن القضاء على اليهود لم يكن أحد أهداف الرومان الذين كانوا يعتبرون اليهود أصدقاء لهم، بدليل أن تيتوس كان يحارب إلى جانبه جيش يهودي بقيادة أجريبا الثاني. وقد حققت اليهودية البقاء لأن الرومان سمحوا ليوحنان بن زكاي بأن يؤسس مدرسة يفنة التي تم تطوير أسس اليهودية الحاخامية فيها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015