ثمة صراع جوهري بين رغبة الفرد الذي يأمل في الإشباع الجنسي ومتطلبات المجتمع التي تتعارض مع هذه الرغبات، فنمو المدنية رهن بما تفرضه على الفرد من قيود، ولذا فالإنسان يبغض المدنية. وقد لعب الدين دوراً أساسياً في عملية إعلاء الرغبة الجنسية والرغبة العدوانية عن طريق توليد الإحساس بالذنب بحيث يوجه الفرد إلى نفسه العدوان الفظ نفسه الذي كان يوجهه كطفل في خياله إلى العالم الخارجي على صورة قتل الأب فتصبح هذه النزعة العدوانية من مقومات الضمير. وينشأ توتر بين الضمير وصاحبه يؤدي إلى الشعور بالذنب الذي يظهر في صورة الحاجة إلى العقاب، ثم يَعقُب ذلك الندم. والندم منبعث من ثنائية شعور الطفل إزاء أبيه: البغض والحب معاً (قتل الأب الطوطمي وإشباع دافع البغض ونزعة العدوان من جهة، والحب الذي يظهر في صورة الندم من جهة أخرى) .

ويرى فرويد أن الأديان لم يفتها إدراك الدور الذي يلعبه الشعور بالإثم في المدنية، فزعمت أنها تعمل على خلاص الإنسان من هذا الشعور الذي تسميه الخطيئة. وقد حاولت المسيحية تحقيق هذا الخلاص عن طريق التضحية بحياة فرد واحد يحمل معه ذنوب البشر جميعاً. وهكذا تدعو الأديان إلى المحبة والتضحية بالذات وتُعمِّق في الإنسان الإحساس بالذنب إن أشبع رغباته. وهكذا كلما خطونا نحو المدنية زاد الثمن الذي ندفعه، وهو ثمن باهظ ليس له ما يبرره، إذ أن الرغبة في الإشباع والعدوانية أمور مفطورة في الطبيعة البشرية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015