ولا يوجد أية ضرورة لإطلاق الرصاص على مثل هذا المستوطن المرفه، فالحجارة كفيلة بأن تُعكر صفو حياته الدنيوية وفردوسه الأرضي الحديث الصغير. وبينما كان العدو يَتخثَّر لم تتوقف العمليات الفدائية، التي قد تتفاوت في حدتها، ومدى نجاحها وفشلها إلا أنها نجحت في الإبقاء على روح الجهاد لدى الشعب الفلسطيني، وعلى تماسكه وتمسُّكه بعقيدته، وهذا التماسك هو وحده الذي هيأ الأجيال الفلسطينية الجديدة لإدراك ما حدث داخل المجتمع الصهيوني فازدادت امتلاءً وإبداعاً. وجاءت هزيمة القوات الإسرائيلية في لبنان فحركت إمكانية إلحاق الهزيمة بالعدو من مجال الحلم إلى مجال الواقع. ثم كانت عملية قبية التي قام بها مواطن عربي من تونس فكانت بمنزلة الشرارة.
في هذا الإطار بدأ النموذج الانتفاضي، نموذج التكامل الفضفاض غير العضوي، يظهر بتدريجياً، وبدأ المناضلون في الضفة والقطاع يتبنونه إلى أن أصبح النموذج الأساسي والمهيمن، وأصبحت الانتفاضةحالة ممثِّلة لهذا النموذج. ولتوضيح وجهة نظرنا سنقوم بمقارنة نموذج التكامل الفضفاض غير العضوي بنموذج التلاحم العضوي من منظور إمكانية التشغيل والتطبيق.
1 ـ يمكن القول بأن نموذج التلاحم العضوي ثمرة حقيقية لمنظومة الحداثة الغربية المبنية على القطيعة المعرفية والفعلية مع الماضي، والبدء من الواقع المادي المباشر ومحاولة السيطرة على عناصره. والتغيير يعني رفض الماضي والبدء من نقطة الصفر الافتراضية. أما نموذج التكامل الفضفاض غير العضوي فهو نموذج يحاول أن ينسلخ عن الحداثة الغربية ليستلهم التراث ويولِّد منه حداثة جديدة ونظماً في الإدارة وتحريك الكتلة البشرية بأسرها.