ولنبدأ بإحدى الأفكار المحورية في النسق الفكري لدى تشومسكي وهي فكرة البنية السطحية والبنية العميقة. يرى تشومسكي أن أية ظاهرة مكوَّنة من مستويين: سطحي ظاهر، وعميق كامن. فوراء كل البنَى السطحية الظاهرة تُوجَد بنية أكثر عمقاً وتركيباً. ولكن البنية السطحية رغم انفصالها عن البنية العميقة، إلا أنها على علاقة وثيقة بها، ومن خلال تحليل المكونات الشكلية للبنية السطحية (الملموسة) وطريقة تنظيمها وتفاعلها، يمكن الوصول إلى البنية العميقة. المهم هو أن ندرك أن البنية السطحية مُكوَّنة من مجموعة من العلاقات تحكمها شفرة إن توصلنا إليها أمكننا أن نفهم البنية العميقة. ويمكن أن يتم هذا من خلال تحويل تركيب إلى تركيب آخر. وهذه الفكرة فكرة محورية في العلوم الإنسانية الغربية منذ عصر النهضة يحاول عن طريقها الفكر الغربي في عصر العقلانية المادية تَجاوُز ثنائية الروح والمادة. فالروح هنا هي البناء الفوقي (عالم الأفكار والأشكال) ورغم استقلاليته الظاهرة إلا أنه (في التحليل الأخير وفي نهاية الأمر) إن هو إلا تعبير عن البناء التحتي (المادة ـ علاقات الإنتاج ـ الدوافع الغريزية) ، وحينما يُردُّ الأول للثاني نصل إلى عالم المادة والواحدية المادية وتُصفَّى الثنائية الظاهرية. ولعل إبداع تشومسكي (والثورة البنيوية التوليدية ككل) يكمن في أنه لم يجعل البناء التحتي مادياً وإنما علاقات وأفكاراً كامنة في العقل ذاته تعبّر عن نفسها من خلال أشكال وظواهر كثيرة، أي أن عالم الأشكال الإنسانية الظاهر يُردُّ لا إلى حركة المادة اللاإنسانية وإنما إلى عالم العقل والعلاقات الكامنة فيه (التي تستعصى على الدراسة التجريبية الكمية (.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015