كل هذا يعني أن ثنائية الثقافة والطبيعة تحل مشكلة أصل الإنسان بطريقة غير مادية وتشير إلى أصل الإنسان الرباني بشكل حييّ متعثر. كما يعني ذلك ببساطة أن البنية تفلت من قبضة الصيرورة وتتسم بقدر من الثبات والتجاوز والمعنى، وأنها لا تزال متمركزة حول اللوجوس والتيلوس، وأن البنيوية متمركزة حول الإنسان ككائن ثابت متجاوز لعالم الطبيعة/المادة. وكل هذا يشير إلى عالم وراء عالم الصيرورة والواحدية المادية، أي أن البنيوية لاتزال ملوثة بالميتافيزيقا (حسبما يقول أنصار ما بعد الحداثة) . وفي الإطار الحلولي الكموني الواحدي، فإن هذا يمثل فضيحة لا يمكن قبولها، فهذا يعني أن الإله لا يزال يُلقي بظلاله على العالم رغم أن الإنسان قد أعلن موته، ومن ثم ظهرت ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة لتحقيق المشروع النيتشوي لا لقتل الإله وحسب وإنما لإزاحة ما يُحتمل أن يكون قد تركه من ظلال على الطبيعة والإنسان ولتطوير نظام حلولي كموني لا يفلت أي عنصر فيه من دوامة الصيرورة اللامتناهية ولا يطفو فوق سطح المادة. وهكذا، فإن ما كان جنينياً متعثراً في البنيوية، يصبح واضحاً متبلوراً في ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة.
ويمكننا الآن أن نتوجه إلى يهودية ليفي شتراوس. وقد أرجع هو نفسه أصول فكره ومنهجه إلى ثلاثة مصادر) اليهودية ليست أحدها: (
1 ـ الماركسية التي استمد منها فكرة الجدل ووحدة الأضداد وكذلك فكرة البناء الأساسي أو الركيزة النهائية.
2 ـ التحليل النفسي الفرويدي الذي استمد منه فكرة اللاشعور والرمز وعملية التحويل.
3 ـ علم الجيولوجيا الذي وجد فيه الأفكار المتناثرة المتصلة بالتراتبية والطبقات وصولاً إلى القلب النهائي أو ما أسماه أحياناً «أسطورة الأساطير» .