4 ـ البنيوية (خاصةً عند ليفي شتراوس) فلسفة معادية للتاريخ تَغرق في تجريدات شكلية تنصب على حضارات بدائية يصفها ليفي شتراوس بوصفها «خارج التاريخ» (كما يشير ليفي شتراوس إلى المجتمعات الميدانية بأنها مجتمعات باردة مقابل المجتمعات التاريخية المعاصرة الساخنة) . ولذا، فإن البنيوية لا تفهم الانتقال التاريخي ولا حركة التاريخ، فهي تتعامل مع التاريخ المُجمَد (ويرد ليفي شتراوس على هذا بأن الوجودية لا تفهم التاريخ بتركيزها على المستقبل، كما أنها أيديولوجيا متمركزة حول الذات وحول الحاضر، ولذا فإن التاريخ بالنسبة لها ليس الماضي بكل تركيبيته وإنما هو ما يؤدي إلى الحاضر، ولذا فهي لا تفهم الماضي وتغض نظرها عن أشكال أساسية في التجربة الإنسانية مثل الطقوس والأساطير (.
ويثير أنصار ما بعد الحداثة بعض التحفظات بشأن البنيوية ومفهوم البنية. ولابد أن نتوقف هنا لنشير إلى ظاهرة ذات دلالة عميقة من وجهة نظرنا، وهي أنه، بينما يتهم الوجوديون البنيوية بأنها معادية للإنسان، يتهمها أنصار ما بعد الحداثة بأنها مثل الوجودية متمركزة حول الإنسان. ونحن نذهب إلى أن التناقض الظاهري يدل على تصاعد معدلات العداء للإنسان والحلولية الكمونية في الفلسفة الغربية، فما كان معادياً للإنسان، متطرفاً في عدائه، في الخمسينيات والستينيات، أصبح هو ذاته متمركزاً حول الإنسان، متطرفاً في تمركزه في الثمانينيات.
ويمكن إيجاز تحفظات أنصار ما بعد الحداثة فيما يلي: