وفي مقاله «حول نقد فلسفة الحق عند هيجل» يقول ماركس: «إن إلغاء الدين، باعتباره السعادة البشرية الوهمية، دعوة إلى السعادة الحقيقية. فدعوة البشر إلى التخلي عن أوهامهم بشأن أحوالهم هي دعوة إلى التخلي عن الحالة التي تتطلب الأوهام» (ويبدو أن الموازنات اللفظية داء مزمن في كتابات ماركس الأولى) . وعندئذ سيكتشف الإنسان «أن الدين ليس إلا مجرد جلود أفاع مختلفة نَزعَها التاريخ عنه وألقى بها، وأنه هو الأفعى التي استخدمت الجلد كمجرد غطاء» . وحينذاك «لن يجد، المسيحي واليهودي، نفسيهما في حالة تعارض ديني وإنما في علاقة نقدية بحتة، علاقة تَعارُض علمية بشرية. وعندئذ يؤلف العلم وحدتهما ولا تُحَل التناقضات في العالم إلا عن طريق العلم» . وهكذا يصبح العلم، أو العقل العام أو العقل المادي، هو المطلق الوحيد بدلاً من الإله، وهذا هو جوهر الفكر الإنساني العلماني الغربي. وهو حل باور، وهو حل قد يؤدي بالفعل إلى تحرُّر سياسي ولكن غير كاف برغم أهميته. فهو تحرُّر على المستوى السياسي وعلى مستوى الأفكار فقط. ولكن، كما بيَّن ماركس، يوجد جانب اقتصادي مادي صلب يَجُبُّ الجانب السياسي ويجعل المساواة في الحقوق السياسية أمراً مزعوماً. وهذا الجانب، يجسِّد الأنانية الكامنة في الإنسان وكل نزعات التفتت. والدولة، مجال حرية الإنسان ووسيلة تحقيق تكامله، تخضع هي نفسها لسطوة المموِّلين. ولأن حل أية قضية، بالنسبة إلى ماركس، لا يمكن أن يتم إلا بنفيها وإلغائها، فإننا نجده يرى أن المجتمع «لن يحرِّر نفسه إلا بتحرره من المتاجرة والمال، وبالتالي من اليهودية الواقعية» . و «حين ينجح المجتمع في إلغاء الجوهر العملي لليهودية، المتاجرة وشروطها، عندئذ يصبح وجود اليهودي مستحيلاً» ، وذلك لأن رؤية اليهودي للعالم، أي النموذج المعرفي الذي يحمله، لم يَعُد لها ما يجسِّدها، ولأن أساس اليهودية نفسها، أي الحاجة العملية، قد اختفت (تمت أنسنتها)