ولذا، فإن ماركس يرى أن الحديث عن الإعتاق السياسي لليهود أمر غير ذي موضوع في الواقع إذ أن اليهود تحرَّروا بالفعل ولكن على الطريقة اليهودية. «فاليهودي الذي لا يُحسَب له حساب في فيينا (مثلاً) هو الذي يقرِّر بقوته المالية مصير المملكة كلها. واليهودي الذي قد يكون في أصغر الدول الألمانية محروماً من الحقوق، هو الذي يقرر مصير أوربا» . لقد تحرَّر اليهود بالنسبة نفسها التي بها تحوَّل المسيحيون إلى يهود، أي أن إعتاق اليهود تم على الطريقة البورجوازية ومن داخل المجتمع البورجوازي حينما تم تفتيت المجتمع تماماً وهيمنت قيم المنفعة والأنانية عليه. والحديث عن الإعتاق السياسي لليهود هو تعبير عن تناقض أساسي في المجتمع البورجوازي، وهو التناقض القائم بين السياسة وقوة المال «فالسياسة نظرياً، فوق قوة المال. ولكنها، عملياً، أصبحت مجرد سجينة له» .

ثم نصل إلى الحلول التي يطرحها ماركس. ولقد سبق أن بيَّنا أن اغتراب الإنسان عن جوهره يعود أساساً - في تصوُّر ماركس - إلى ظاهرة الدين الذي يجعل الإله موضوعاً يواجه الذات الإنسانية كشيء غريب عنها. ومن ثم، فإن إلغاء الدين شرط ضروري للتحرر. فالدولة التي تفترض الدين مسبقاً ليست بعد دولة حقيقية، أي أنها لا تُعبِّر عن جوهر الإنسان. وأي دولة تفترض الدين مقولة أو إطاراً، لابد أن تُولِّد استلاباً للإنسان. ويقتبس ماركس، باستحسان، رأي باور في استحالة إعتاق اليهود داخل إطار الدولة (الدينية المسيحية) ، إذ يُولِّد ذلك تعارضاً لا تنفصم عراه بين اليهودي والمسيحي. ولكن كيف يمكن حل مثل هذا التعارض؟ يرى ماركس أن حل أية مشكلة إنما يكون بنفيها وإلغائها، ومن هنا كان ترحيبه بحل باور، أي حل المشكلة بجعل التعارض الديني مستحيلاً بإلغاء الدين ذاته بحيث لا يرى اليهودي أو المسيحي، أيٌّ منهما، في دين الآخر، إلا درجات مختلفة من الروح الإنسانية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015