والآن، ما علاقة كل هذا باليهود واليهودية؟ لابد أن نشير إلى الاعتقاد السائد في الفكر الاشتراكي والاجتماعي الغربي بأن اليهود يُكوِّنون حلقة مغلقة من المموِّلين الدوليين المتحالفين مع النخب الحاكمة. وهو تصوُّر، برغم جزئيته، لم يكن منافياً تماماً للحقيقة التاريخية. فيهود البلاط كانوا ظاهرة أوربية بمعنى الكلمة. كانوا يتركزون في وسط أوربا وألمانيا، فلم تمتد دائرة وجودهم لتشمل فرنسا أو إنجلترا. وكان هناك روتشيلد (آخر يهودي بلاط) وصديق مترنيخ والذي كان يرتبط بعلاقات وثيقة مع أسرة الهابسبورج وبعض الأسر الملكية الحاكمة الأخرى. ولم يكن دور يهود الأرندا في بولندا بعيداً عن الأذهان. كما أن المرابين اليهود في الألزاس ووادي الراين كانوا يستولون على الأراضي المرهونة بعد فَشَل ملاكها في تسديد ديونهم بدرجات متزايدة في نهاية القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر، ومعنى ذلك أن اليهود أو قطاعاً منهم كانوا مرتبطين تماماً بالقوى الرجعية وقوى الاستغلال. وقد تغيَّر الوضع كما أسلفنا، في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، فانخرطت أعداد متزايدة من أعضاء الجماعات اليهودية في صفوف الطبقة العاملة في شرق أوربا. ونضيف، إلى كل هذا، أن الهجوم على النخبة الحاكمة الرجعية كان يأخذ أحياناً طابع الهجوم على اليهود بشكل عام، لا على المموِّلين اليهود وحسب.