كل هذا يقف ضد الجماعات التعاقدية (المجتمع التعاقدي الحديث) التي تتألف من أشخاص أنانيين فرديين، لكل مصلحته الشخصية المحددة التي قد تتفق مع مصلحة المجتمع أو تختلف عنها. وكل فرد يحاول أن يحقق مصلحته ومنفعته هو دون الالتفات إلى الآخرين أو إلى الكل الاجتماعي، ومن ثم فإن المجتمع مبني على التنافس بوصفه قيمة مطلقة. والمجتمع هنا لا يُعبِّر عن جوهر الإنسان وإنما يجابهه باعتباره شيئاً غريباً عنه. ويصبح القانون للسبب نفسه قيداً على الإنسان لا وسيلة لتحقيق جوهره. والرابطة بين البشر رابطة تعاقدية خارجية برانية موضوعية. ولذا، فإن انتماء الإنسان إلى مثل هذا المجتمع هو انتماء ذرة منغلقة على نفسها؛ تجاور الذرات الأخرى ولا تلتحم بها، ومن ثم ينشأ تناقض حاد بين الذات والموضوع.
وهذا التمييز بين شكلين من أشكال التنظيم الاجتماعي ورؤية الكون هو تمييز بين فكرين، فكر عصر الاستنارة (القرن الثامن عشر) وفكر معاداة الاستنارة (القرن التاسع عشر) . وكلاهما يُعَدُّ أساساً للفكر الغربي الحديث برغم تناقضهما. وما يهمنا هنا أن هذا التمييز الذي تغلغل في الفكر الاشتراكي الغربي، خصوصاً الألماني، يكمن وراء الهجوم على اليهود واليهودية باعتبار أن اليهودي جزء من الاقتصاد التجاري (الموضوعي التعاقدي) مقابل الاقتصاد الزراعي (العضوي المبني على الارتباط الداخلي) ولا يمكن أن نفهم تحليل ماركس للمسألة اليهودية دون أن نأخذ هذا البعد في الاعتبار.