ولكن ماركس هو، في نهاية الأمر، إحدى الثمرات المتألقة للفكر الألماني في القرن التاسع عشر. وقد تواترت فكرة أساسية في كتابات المفكرين الألمان وهي التمييز بين الجماينشافت، أي الجماعة العضوية المترابطة التقليدية، مقابل الجيسيلشافت، أي المجتمع التعاقدي الذري المفتت. وهو تمييز له جانبان: أحدهما معرفي وأخلاقي ينصرف إلى رؤية الإنسان وطريقة إدراك الكون، والآخر سياسي واقتصادي واجتماعي ينصرف إلى طريقة تنظيم المجتمع. والجانبان هما تعبير عن الفكرة الواحدة نفسها في مجالين مختلفين. ومن الواضح أن من استخدموا هاتين الفكرتين كأداة تحليلية، كانوا يفضلون الجماعة المترابطة التي ينتمي إليها المواطن الذي يصبح جزءاً من كل يفقد ذاته فيه بحيث تختفي مصلحته الشخصية الأنانية الضيقة ويحل محلها مصلحة الدولة أو الجماعة، ويصبح لا وجود له خارجها. ونظراً للارتباط العضوي للإنسان بجماعته وتطابُق مصلحة الفرد مع مصلحة الجماعة، فإن الجماعة تُعبِّر عن جوهر الإنسان بدلاً من أن تشكل اغتراباً عنه. والقانون البشري لا يشكل في هذه الحالة قيداً على الإنسان أو حدوداً له، ولا يتعارض مع إدراكه لنفسه، وإنما يعبر عن جوهره ويحقق إمكاناته الكامنة. ومن هنا، فإن الرابطة بين الإنسان والجماعة رابطة عضوية ورابطة داخلية (جوانية) لا يتناقض فيها الذات والموضوع.