تتسم المجتمعات الغربية الحديثة بمقدرتها الفائقة على حوسلة كل شيء، دون أي اعتبار لقداسة أو محرمات، ويحدث الشيء نفسه بالنسبة للإبادة. وتبدأ عملية توظيف الإبادة ـ على يد الصهاينة ـ بمحاولتهم فرض معنى صهيوني ضيق علىها باعتبارها جريمة العصر التي ارتكبها الألمان والأغيار ضد اليهود فحسب. ثم تُعطي واقعة الإبادة مكانة محورية في تاريخ أوربا وتاريخ العالم. ولذا صدرت عشرات الأفلام والدراسات والأعمال الفنية لحفر الإبادة في الذاكرة باعتبارها واقعة حدثت لليهود وحدهم، لا باعتبارها جريمة ارتكبتها الحضارة الغربية ضد قطاعات كبيرة من سكانها. وقد دخلت دراسة الهولوكوست عشرات الجامعات والكليات الأمريكية، وأُقيمت نصب تذكارية للإبادة بالعبرية والإنجليزية في واشنطن ونيويورك ولوس أنجلوس وغيرها. وأنشأت الحكومة الأمريكية المجلس الأمريكي للتذكير بالإبادة، وتم إنشاء متحف تُخلَّد فيه ذكرى الإبادة النازية في واشنطن بجوار المتاحف القومية الأمريكية. وباسم الإبادة، حاولت المؤسسة الصهيونية التدخل (دون نجاح كبير) في انتخابات الرئاسة في النمسا عام 1986، واعترضت بشدة (دون نجاح مرة أخرى) على زيارة الرئيس الأمريكي ريجان لمقبرة بتبرج الألمانية التذكارية لمجرد أن بعض المدفونين فيها من رجال قوات الصاعقة النازية.
ومن أهم أشكال توظيف الإبادة لصالح الصهيونية هو استخدامها كسحابة كثيفة لتبرير الفظائع التي ارتكبتها وترتكبها الدولة الصهوينة ضد الفلسطينيين. كما تُوظَّف الإبادة في جمع التعويضات التي تمول الكيان الاستيطاني الصهيوني (بلغ حجم التعويضات الألمانية وحدها 70 بليوناً من الدولارات في 35 عاماً) . ومن المعروف أن هذه التعويضات التي تلقتها الدولة الصهيونية انعشت الاقتصاد الإسرائيلي، ومكنت الدولة الصهيونية من شراء مزيد من الأسلحة والمستوطنات والقنابل العنقودية!