وقد أثيرت مؤخراً قضية وثيقة الصلة تماماً بقضية انفصال العلم عن القيمة ألا وهي قضية انفصال الإجراءات الديموقراطية عن القيمة. فالديموقراطية هي في واقع الأمر اتفاق على مجموعة من الإجراءات تمكن من خلالها معرفة رأي الأغلبية، وجوهر هذه الإجراءات كمي، أي حساب عدد الأصوات المؤيدة والمعارضة، فإن زادت الأصوات المؤيدة عن الأصوات المعارضة ولو صوتاً واحداً تم تمرير مشروع القانون، وإن نقصت ولو صوتاً واحداً رُفض المشروع. فالاتفاق هنا اتفاق بشأن الإجراءات وحسب (وقوانين اللعبة، كما تُسمَّى) ، وليس متصلاً بمضمونها أو اتجاهها، فهذه أمور تحددها العملية الديموقراطية نفسها، دون الالتزام بأية قيم أو مرجعيات مسبقة، أي أن الديموقراطية تدور في إطار النسبية الكاملة ولا تتقيد بأية قيم أخلاقية مطلقة. ومن ثم سُمِّيت الأخلاق الحاكمة للديموقراطية بأنها «أخلاقيات الإجراءات والصيرورة» (بالإنجليزية: إثيكس أوف بروسيس ethics of process) . فالديموقراطية، شأنها شأن الترشيد الإجرائي، معقمة من الميتافيزيقا والكليات والمطلقات والثوابت. فكما أن العلم انفصل عن الغائيات والقيم الإنسانية وأصبح مرجعية نفسه، انفصلت الإجراءات الديموقراطية عن الغائيات والقيم الإنسانية وأصبحت مرجعية ذاتها، ولا يمكن محاكمتها من خلال مرجعية متجاوزة لها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015