وفي مقابل هذه المنظومة الدائرية المتماسكة التي يتداخل فيها الديني والقومي ويحل فيها الإله في الأرض الروسية والشعب الروسي، ينظر دوستويفسكي إلى الآخر الذي يقع خارج دائرة القداسة ويرفضه: وقد عرَّف الآخر بأنه أوربا الملحدة، والكاثوليك، والنظام الرأسمالي، والثورات الاشتراكية، ولكنه بالدرجة الأولى اليهود. فاليهود هنا ليسوا يهوداً وإنما هم النظام الجديد في العالم الحديث الذي يستند إلى البيع والشراء والمساومة والقيم البرجماتية ولا يعرف المثاليات أو المطلقات الأخلاقية. ولعل من المفيد الإشارة إلى أن علم الاجتماع الألماني يميِّز بين الجماينشافت (الجماعة المترابطة العضوية) والجيسيلشافت (المجتمع التعاقدي الحديث) . واليهودي هو رمز هذا المجتمع التعاقدي بشقيه الرأسمالي والاشتراكي.
ولا يمكن فهم موقف دوستويفسكي وحدوده إلا بفهم وضع اليهود في روسيا والموقف الروسي منهم والذي يتمثل فيما يلي:
1 ـ كره اليهودي أمر متجذر ومتأصل في الوجدان الروسي (والسلافي على وجه العموم) . فمسرح العرائس الشعبي كان يحوي شخصية اليهودي الجشع الجبان (رغم عدم وجود عدد يُذكَر من اليهود في روسيا) . ولعل هذا الكره لليهود يعود إلى أيام إمبراطورية الخزر اليهودية التركية التي هددت الروس وأخضعتهم لهيمنتها. كما أن العداء التقليدي بين روسيا وتركيا (نظراً لأن صعود الواحد مرتبط تاريخياً بهبوط الآخر) لعب دوراً في ذلك، خصوصاً أن الوجدان الغربي كثيراً ما يربط بين اليهود والمسلمين (ولذا، ربط دوستويفسكي بين دزرائيلي اليهودي والعثمانيين (.