لكن المرابي اليهودي لم يكن سوى أداة في عملية اقتصادية ضخمة إذ كان يَعُدُّ من أقنان البلاط، أي ملكية خاصة للملك يبيعهم متى شاء. وكانت أموال المرابي تئول إلى الملك من الناحية القانونية، ولكنه كان من الناحية الفعلية يتركها لأولاد المرابي حتى يستمروا في وظيفتهم. وكان الأمير أو الملك يبيع لليهود المواثيق التي تحميهم، وتحدد حقوقهم وتؤكدها، وتضمن لهم الأمن اللازم للاستمرار في العمليات المالية. وهذه حقوق لم يكن يتمتع بمثلها سكان المدن أو عامة الشعب. وكانت عملية بيع المواثيق هذه تضمن أن تصب ثمرة العملية الربوية بأسرها في خزانة الملك الذي كان يُسمَّى «شيخ المرابين» . أما اليهود فلم يكونوا سوى الوسيط الذي يلعب دور الإسفنجة، فهم يمتصون ثروة الشعب التي يعتصرها الحاكم فيما بعد عن طريق منح المواثيق لأعضاء الجماعة اليهودية وفرض الضرائب علىهم. وقد كان اليهود أكبر مصدر دخل للملك في إنجلترا، حيث كانوا يشكلون حوالي 12% من كل مصادر دخله. وفي بعض الإمارات المسيحية، في إسبانيا مثلاً، كانوا يشكلون نسبة أكبر من ذلك.
وقد اضطر أعضاء الجماعات اليهودية إلى الاعتماد الكامل على الملك أو الأمير الإقطاعي لحمايتهم من غضب الجماهير وفتكها، وكان هو بدوره يفضلهم في مرحلة من المراحل على غيرهم من المرابين نظراً لعجزهم وانفصالهم عن المجتمع ولعدم وجود قاعدة بشرية تدعمهم وتساندهم، وهو ما جعل منهم جماعة وظيفية وسيطة مثالية. وهنا لابد من الإشارة إلى أننا نميِّز بين الجماعة الوظيفية الوسيطة والجماعة الوظيفية الوسيطة العميلة. فالجماعة الوسيطة، رغم قربها من الطبقة الحاكمة، تؤدي خدمة لكل طبقات المجتمع. أما الجماعة العميلة، فهي أداة في يد الحاكم يستخدمها لصالحه ضد بقية طبقات المجتمع. وعلى هذا، كان التاجر اليهودي وسيطاً، أما المرابي اليهودي فكان عميلاً.