6 - أحكام القرآن

لغة: جمع حكم، وأصل مأخذه فى العربية من مادة تدوركلها حول معنى المنع ومنه حَكَمة اللجام لمنعها الدابة من الانطلاقا على خلاف مراد صاحبها، ومنه الحكمة المضادة للعبث والسفه. والأحكام بمعنى المنع من الفساد وغير ذلك (1).

واصطلاحا: خصوص ما جاء فى القرآن من الأحكام الشرعية بالمعنى الأصولى والفقهى المعروف للحكم الشرعى، والذى يتعلق بفعلٍ من مخاطبات القرآن المجيد على سبيل الطلب أو التخيير أو الوضع لأى منهما.

فقولهم على سبيل الطلب أو التخييرهو الحكم الشرعى التكليفى، وهو لدى جمهرتهم أقسام خمسة؛ لأن الطلب إما ان يكون طلبا للفعل، أو طلبا للكف، وكل منهما إما أن يكون جازما أو غير جازم، فطلب الفعل إما أن يكون جازما فهو الايتاب، وإما أن كان غير جازم فهو الندب، وطلب الكف إن كان جازما فهو التحريم وإن كان غير جازم فهو الكراهة، وأما التخيير فهو الإباحة.

وقولهم: أو الوضع لأى منهما. يعنون به الحكم الشرعى الوضعى، والذى هو عبارة عن جعل الشىء سببا أو شرطا أو مانعا (2).

وقد اعتنى معظم المفسرين ولاسيما أصحاب التفاسير المبسوطة منهم بهذا النوع من مقاصد القرآن العظيم كل حسب مشربه ومذهبه. بل أفرده بالتصنيف جماعة كثيرة فى القديم والحديث، قال الزركشى فى البرهان (أولهم الشافعى ثم تلاه من أصحابنا الكيا الهراس، ومن الحنفية أبو بكر الرازى، ومن المالكية القاضى إسماعيل، وبكر بن العلاء القشيرى، وابن بكر، ومكى، وابن العربى، ومن الحنابلة القاضى أبو يعلى الكبير (3) وقد بين علماء القرآن منهج القرآن العظيم فى سياق أحكامه وطريقتهم فى استنباطها منه، ويتلخص الحديث عن المنهج فى نظرتين، ومن خلالهما يتبين للقارىء بعض طرق العلماء فى الاستنباط:

إحداهمأ: أن ينظر إليه باعتبار سياقه للأحكام من حيث الجملة، أى بقطع النظر عن طريقته فى التعبير عن كل واحد من أقسام الحكم الشرعى. وتتمثل فيما أفاد صاحب الموافقات إذ يقول: تعريف القرآن بالأحكام الشرعية أكثره كلى لا جزئى، فمأخذه على الكلية إما بالاعتبار أو بمعنى الأصل، إلا ما خَصَّه الدليل مثل خصائص النبى صلى الله عليه وسلم.

ويدل على هذا المعنى بعد الاستقراء المعتبر أنه محتاج إلى كثير من البيان. فإن السنة على كثرتها وكثرة مسائلها إنما هى بيان للكتاب ... وإذا كان كذلك، فالقرآن على اختصاره جامع، ولا يكون جامعا إلا والمجموع فيه أمور كليات، لأن الشريعة تمت بتمام نزوله لقوله تعالى {اليوم اًكملت لكم دينكم} المائدة:3، وأنت تعلم أن الصلاة والزكاة والجهاد وأشباه ذلك لم تبين جميع أحكامها فى القرآن، إنما بينتها السنة وكذلك العديد من الأنكحة والعقود والقصاص والحدود وغيرها، وأيضا فإذا نظرنا إلى رجوع الشريعة إلى كلياتها المعنوية وجدناها قد تضمنها القرآن على الكمال وهى الضروريات والحاجيات والتحسينات (4).

ومكمل كل واحد منها، وهذا كله ظاهر أيضا، فالخارج من الأدلة عن الكتاب هو السنة والإجماع والقياس، وجميع ذلك إنما نشأ عن القرآن، وقد عد الناس قوله تعالى: {لتحكم بين الناس بما اًراك الله} النساء:115. متضمنا للقياس وقوله: {وما آتاكم الرسول فخذوه} الحشر:7.

متضمنا للسنة وقوله {ويتبع غيرسبيل المومنين} النساء:115، متضمنا للإجماع وهذا أهم ما يكون.

وفى الصحيح (عن ابن مسعود قال: لعن الله الواشمات والمستوشما000) (5) الخ. فبلغ ذلك امرأة من بنى أسد، يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن، فأتته، فقالت: حديث بلغنى عنك أنك لعنت كذا وكذا فذكرته. فقال عبدالله: ومالى لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى كتاب الله، فقالت المرأة. لقد قرات مابين لوحى المصحف فما وجدته. فقال لئن كنت قرأته لقد وجدتيه، قال الله عز وجل {وما اتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا} الحشر:7. فعلى هذا لاينبغى فى الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر فى شرحه وبيانه وهو السنة، لأنه إذا كان كليا وفيه أمور مجملة كما فى شأن الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحوها، فلا محيص من النظر فى بيانه، وبعد ذلك ينظر فى تفسير السلف الصالح له إن أعوزته السنة، فإنهم أعرف به من غيرهم وإلا فمطلق الفهم العربى لمن حصله يكفى فيما أعوز منه ذلك، والله أعلم (6).

ثانيهما: أن ينظر إليه من حيث طريقته فى التناول لتفاصيل تلك الأقسام؛ وتتمثل فى مقولة السيوطى ونقله عن العز بن عبدالسلام رحمهما الله إذ يقول: قال الغزالى وغيره: آيات الأحكام خمسمائة آية، وقال بعضهم مائة وخمسون، وقيل لعل مرادهم المصرح به، فإن آيات القصص والأمثال وغيرها يستنبط منها كثير من الأحكام، قال الشيخ عز الدين بن عبدالسلام فى كتاب الإمام فى أدلة الأحكام: معظم آى القرآن لا يخلو عن أحكام مشتملة على أداب حسنة، وأخلاق جميلة، ثم من الآيات ما صرح فيه بالأحكام ومنها، ما يؤخذ بطريق الاستنباط، كاستنباط صحة أنكحة الكفار من قوله {وامرأته حمالة الحطب} المسد:4.

وصحة صوم الجنب من قوله {فالآن باشروهن .... من الفجر} البقرة:187، واستنباط أن أقل الحمل ستة أشهر من قوله تعالى {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} الأحقاف:15، مع قوله: {وفصاله فى عامين} لقمان:14، قال: ويستدل على الأحكام تارة بالصيغة وهو ظاهر، وتارة بالأخبار مثل {أحل لكم} البقرة:187. و {حرمت عليكم الميتة} المائدة:3، و {كتب عليكم الصيام} البقرة:183، وتارة بمارتب فى العاجل أو الآجل من خير أو شر أو ضر، وقد نوَّع الشارع ذلك أنواعاً كثيرة، ترغيباً لعباده وترهيبا وتقريبا إلى أفهامهم (7) ثم قسم الشيخ عز الدين ما أجمل من تلك الأنواع حسبه أقسام الحكم الشرعى، بما يطلب من مظانه هنالك.

د/إبراهيم عبدالرحمن محمد خليفة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015