13 - براعة الاستهلال

البراعة لغة: كمال الفضل.

والاستهلال لغة: الابتداء، كما فى اللسان. (1)

براعة الاستهلال اصطلاحا: ضرب من ضروب الصنعة التى يقدمها أمراء البيان، ونقاد الشعر، وجهابذة الألفاظ، بأن يبدأ المتكلم بمعنى ما يريد تكميله، وإن وقع فى أثناء الكلام (2) وقد ذكر ابن المعتز فنا فى محاسن الكلام سماه (حُسن الابتداءات) (3)، وأراد بهذه التسمية ابتداءات القصائدة إذ ينبغى للشاعر إذا ابتدأ قصيدة ابتدأها بما يدل على غرضه فيها.

وكذلك ينبغى للخطيب إذا ارتجل خطبة، والبليغ إذا افتتح رسالة، أن يكون ابتداء كلامه دالأ على انتهائه، فالابتدأء أول ما يقرع السمع، فإن كان عذبا، حسن التركيب، صحيح المعنى، أقبل السامع على الكلام فوعاه، وإلا أعرض عنه، وإن كان الباقى فى غاية الحسن (4).

وتعد (براعة الاستهلال) فرعا فرعه المتأخرون مما يسمى (حسن الابتداءات) فيرى السيوطى أن براعة الاستهلال أخص من حسن الابتداء، لأن البراعة لابد فيها من الإشارة إلى ما سيق الكلام لأجله، بخلاف حسن الابتداء فلا يشترط فيه ذلك (5).

غير أن الخطيب القزوينى لا يرى فرقا بين حسن الابتداء وبراعة الاستهلال، فكلاهما شىء واحد، وبأيهما سميت كنت مصيبا، فأحسن الابتداءات ما ناسب المقصود، ويسمى براعة الاستهلال (6).

وإذا تأملت السور القرآنية، جملها ومفرداتها، رأيت من البلاغة والتفنن فى الفصاحة ما لا تقدر العبارة على حصر معناه. (7)

فمن الأمثلة القرآنية، قوله تعالى:

{إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} الإسراء:7.

{ليس لها من دون الله كاشفة} النجم:58.

{صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة} البقرة:138.

ومن أمثال السنة النبوية، قوله صلى الله عليه وسلم:

(الحلال بين والحرام بين)

(خير الأمور أوساطها)

(لا ضرر ولا ضرار) (8)

ومن الأمثال الشهيرة التى سارت على وجه الدهر، قولهم:

(تسمع بالمعيدى خير من أن تراه) يضرب مثلا للذى رؤيته دون السماع به.

وقولهم (أسمع جعجعة ولا أرى طحنا) أى أسمع جلبة ولا أرى عملا ينفع التمثيل إذا.

وقولهم (مواعيد عرقوب) وهو رجل يهودى من خيبر كان يعد ولا يفى، فضربت به العرب المثل.

وقد اتفق أصحاب الذوق السليم على أن التمثيل إذا جاء فى أعقاب المعانى، سواء كان المعنى مدحا أو ذما حجاجا أو افتخارا، اعتزارا أو وعظا، كساه أبهة ورفع من شأنه، فتتحرك النفس إليه ويهفو القلب له، وهكذا الحكم إذا استقرأت فنون القول وشعوبه. (9)

أ. د/عبد القادر حسين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015