قرية بدر، إحدى قرى الصحراء، على طريق القوافل بين المدينة ومكة، وتبعد عن ساحل البحر الأحمر نحو 45 كم، وهى إلى الجنوب الغربى من المدينة بنحو 155كم، وبينها وبين مكة 310 كم. وفى بدر جرت وقائع أشهر المعارك بين المسلمين والمشركين فى السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة (فبراير 624 م)، وقد أنعم الله على المسلمين يومئذ- بقيادة النبى - صلى الله عليه وسلم - - بانتصار عظيم على كفار قريش، الذين خرجوا من مكة يريدون القضاء على محمد وأصحابه، وبذلك تنتهى المشكلات الدينية والاقتصادية والاجتماعية التى فجرتها الدعوة الإسلامية، ومقاومةُ قريش لها، مقاومة أدت إلى قيام صراع مسلح بين الفريقين، وكانت غزوة بدر الكبرى إحدى المعالم البارزة فى هذا الصراع.
إن سبب نشوب هذه المعركة المباشر، هو خروج المسلمين لاعتراض قافلة تجارية ضخمة لقريش، مقبلة من الشام فى طريقها إلى مكة، وفى ذلك قال النبى - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه] هذه عير لقريش فاخرجوا إليها، لعل الله ينفلكموها [أى يجعلها غنيمة لكم، فخرج معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، واتجهوا صوب الطريق المتوقع أن تسلكه القافلة.
وعلى الجانب الآخر كان أبو سفيان بن حرب الأموى قائد القافلة رجلاً شديد الحذر والتنبه إلى ما يتوقعه من خطر اعتراض المسلمين له، فلما علم بخروجهم، غيَّر طريقه فورا، وأرسل إلى أهل مكة يستغيثهم ويطلب نجدتهم.
وكان فى مكة أناس يتوقون إلى قتال محمد- - صلى الله عليه وسلم - - وأصحابه والقضاء عليهم، فانتهزوا هذه الفرصة وحرضوا قريشًا على الخروج لقتال المسلمين، أولئك الخارجين على دين الآباء، والذين يهددون تجارة مكة، وهى عصب حياة أهلها، ويتزعم هؤلاء المحرضين أبو جهل عمرو بن هشام المخزومى. وعلى الرغم من تباطؤ كثيرين فى إجابة داعى الحرب، وعدم تحمسهم لقتال المسلمين- وهم فى الواقع ذوو قرابتهم ومن عشيرتهم- فإن جيشًا كبيرا قوامه نحو ألف رجل قد انطلق من مكة نحو قرية بدر، حيث يتوقع أن يلتقوا بالمسلمين هناك.
بعد أن تمكن أبو سفيان من الابتعاد بالقافلة عن متناول أيدى المسلمين، أرسل إلى قريش يخبرهم أن تجارتهم قد نجت من خطر محمد وأصحابه، وينصحهم بعدم الخروج من مكة، فلم تفلح محاولات عقلاء قريش فى تهدئة أبى جهل ورفاقه، وإثنائهم عن الخروج للحرب بعد أن زال سببها، فتغلبوا على دعاة السلم، وزحف الجيش نحو بدر. ومن جهة أخرى علم النبى - صلى الله عليه وسلم -، بإفلات عير قريش تماما، وبلغه نبأ"خروج المشركين للقتال، فعرض الأمر على أصحابه وطلب رأيهم. فأجمعوا- مهاجرين وأنصارا- على قتال القوم، وكلهم ثقة فى نصر الله إياهم وإعزاز دينه.
ومروراً بتفاصيل كثيرة لا يتسع المقام لعرضها، فقد اصطف الفريقان للقتال صبيحة السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة، وكانت الضربة الأولى لصالح المسلمين، حيث قَتَلَ ثلاثةُ مسلمين ثلاثة من المشركين، ومن ثم التحم الفريقان فى قتال مرير لعدة ساعات من نهار ذلك اليوم المشهود، أسفر عن هزيمة ساحقة ألحقها المسلمون بمشركى قريش، ولم يتوقف القتال إلا بعد أن ولَّى المشركون الأدبار، حيث تعقبهم المسلمون يأسرون من لم تسعفه سرعته على الفرار. وانجلت الموقعة عن خسائر جسيمة فى صفوف قريش، فقُتِل سبعون من رجالاتهم، ووقع سبعون آخرون فى الأسر، وحصل المسلمون على غنائم كبيرة مما خلفه عدوهم.
ثم أمر رسول الله بدفن قتلى المشركين، فوضعوهم فى بئر قديمة جافة وأهالوا عليهم التراب، ثم دفنوا الشهداء من المسلمين، وكانوا أربعة عشر رجلاً فقط ومما لا ريب فيه أن غزوة بدر كانت ذات أثر بالغ فى مسيرة الدعوة الإسلامية، حيث أعطت المسلمين دفعة معنوية عالية، وأكدت لهم أن الله معهم بنصره وتأييده، ماداموا ثابتين على عقيدتهم وإخلاصهم لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ومستعدين دوما للتضحية فى سبيل إعلاء كلمة الله ورفع راية دينه ..
أد/ محمد جبر أبو سعدة