6 - بدء الوحي

لغةَ: الوحى هو الإعلام فى خفاء وسرعة، فكل إعلام بشيء في خفاء وسرعة يسمى وحيا، ولذلك جاز أن يكون هناك وحى لغير البشر، قال سبحانه {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذى من الجبال بيوتا} (النحل 68).

كما جاز أن يكون هناك وحى لغير الأنبياء من البشر، كما قال سبحانه {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} (القصص 7). وهذا الوحى لغير الأنبياء لا يكون بدين شرعى.

واصطلاحاً: إعلام خفى من الله تعالى لأنبيائه ورسله، بما يريد سبحانه أن يبلغوه إلى خلقه من كتب، وتعاليم شرعية بطريق من طرق الوحى الشرعية.

ولقد مربدء الوحى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمراحل حتى جاءه الملك وهو يتعبد فى غار حراء كما جاء فى الحديث الصحيح عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحى الرؤيا الصالحة فى النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغارحراء فيتحنث فيه- وهو التعبد- الليالى ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو فى غار حراء، فجاءه الملك، فقال اقرأ: قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذنى فغطنى (أى ضمنى) حتى بلغ منى الجهد (التعب) ثم أرسلنى (أى أطلقنى) فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ فأخذنى فغطنى ثانية، حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى فقال: اقرأ، قلت ما أنا بقارئ، فأخذنى فغطنى الثالثة ثم أرسلنى فقال: {اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم} فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده .. من خلال الحديث السابق نرى أن بدء الوحى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مربعدة مراحل منها:

أ- مرحلة الرؤيا الصادقة الصالحة فكان لا يرى رؤيا فى نومه إلا جاءت واضحة مثل فلق الصبح تماما كما رآها، وكانت هذه المرحلة ليتهيأ - صلى الله عليه وسلم - جميع لتلقى الوحى ويستعد لاستقباله.

قال القاضى عياض- رحمه الله تعالى- عن حكمة البدء بالرؤيا الصالحة به: "لئلا يفجأه الملك، ويأتيه صريح النبوة بغتة فلا تحتملها قواه البشرية فبدأ أمره بأوائل خصال النبوة، وتباشير الكرامة، من صدق الرؤيا (2)

ب- مرحلة الخلوة والتعبد، وقد حبب الله إليه الخلاء فى غار حراء، وهذا الغار له مزية على غيره حيث يمكن أن يرى منه الكعبة المشرفة، وينظر إلى بيت أهله من هذا الغار، ولم يكن حبه للخلوة - صلى الله عليه وسلم - صادرا عن هوى فى نفسه، أو استجابة لطبع جبل عليه، وإنما الله تعالى هو الذى حبب إليه الخلاء ليأتنس بالخالق سبحانه وتعالى، وليعرض عما كان عليه مجتمع الجاهلية من اللهو والعبث. ومرحلة الخلوة هذه لا تدل على أن النبوة مكتسبة بالجهد والعبادة، وإنما هى هبة من الله تعالى لمن يشاء من خلقه، قال سبحانه: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} (الأنعام 124) كما أن تردده - صلى الله عليه وسلم - على بيت أهله فيه جملة من الفوائد:

منها: أن الإنسان لا ينقطع تماما للعبادة ويترك واجباته الأخرى بل عليه أن يؤدى كل الحقوق التى استرعاه الله عليها ويوازن بينها فلا يبالغ فى أداء بعضها، ويتهاون فى بعضها الآخر، والمؤمن الحق هو الذى يؤدى كل ما عليه بدون مبالغة أو تفريط. ومنها: أن تزوده - صلى الله عليه وسلم - بالزاد يدل على ضرورة الأخذ بالأسباب، فإن التوكل الحقيقى على الله تعالى هو الأخذ بكل الأسباب الممكنة ثم تفويض الأمر بعد ذلك إلى الله تعالى.

جـ- مرحلة نزول الملك: وبعد أن تهيأ النبى - صلى الله عليه وسلم - جاءه جبريل - عليه السلام - وهو فى غار حراء بأول الآيات التى نزلت من القرآن الكريم وهى قوله تعالى] اقرأ باسم ربك الذى خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم [، (العلق 1 - 3).

ثم فتر الوحى مدة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يذهب عنه الخوف الذى أصابه عند لقائه

بالملك أول مرة، وليشتد شوقه إليه، ثم تتابع الوحى بعد ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتم الله نعمته، وأكمل دينه الذى لن يقبل من الخلق بعد بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ود دينا سواه

،] اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا [، (المائدة 3).

أ. د/ مروان محمد مصطفى

------

(1) البخارى: كتاب: بدء الوحى ومسلم: كتاب الايمان: باب بدء الوحى رسول الله - (- صلى الله عليه وسلم -

(2) إكمال إعلام المعلم جـ1 ص478.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015