5 - الوَحْى

لغة: الكتاب. وجمعه وُحيٌّ، مثل: حلى وهو أيضا: الكتابة والإشارة والرسالة والإلهام والكلام الخفى، وكل ما ألقيته إلى غيرك (1).

ويقال: أوحى إليه وله: كلمه بكلام يخفى على غيره.

ويعلم من هذا، أن كلمة "الوحى" فى اللغة تعنى السرعة والخفاء، أى الإعلام السريع الخفى.

شرعا: هو إعلام الله تعالى لنبى من أنبيائه بحكم شرعى ونحوه، بواسطة أو غير واسطة (3).

فالوحى إذن: نقل مافى عالم الربوبية إلى نبى أو رسول عن طريق الملائكة، ليبلغه إلى الناس، مع ملاحظة أن علم الله ثابت فى اللوح المحفوظ، وينزل الوحى طبقا لما هو مدون فيه (4).

والوحى أمرهام وجوهرى فى النبوات والأديان، فهو مثل المعجزة قطب الرحى، وبدونهما لاتكون نبوة أو رسالة.

ولهذا جاءت مادة "و. ح. ى" في القرآن الكريم وحده ثمانيا وسبعين مرة (5) وفيه دلالة على أن للوحى حقيقة، وأنه أمر ضرورى للديانات السماوية.

والإيمان بالوحى حق وواجب على كل مسلم ومسلمة، لارتباط ذلك الإيمان بجميع ما أنزل الله من كتاب، وما آتى بعض رسله من صحف. وكل ذلك وحى من الله تعالى {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين} الشعراء:192 - 194.

وإن نزول الوحى على هيئة كتب وصحف سماوية، لهو شىء ضرورى لحياة البشر، كى تبقى للأنبياء والرسل آثارهم، ولاسيما ذلك الأثر الباقى إلى يوم القيامة، والذى كان من أعظم نعم الله تعالى على خلقه، (6) ألاوهو القرآن الكريم.

{إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهرون وسليمان وآتينا داود زبورا} النساء:163.

وملل الوحى هو جبريل عليه الصلاة والسلام.

وقد جاء أسمه نصا فى قوله تعالى: {قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه} البقرة:97.

ويفهم من الآية الكريمة وجوب محبة جبريل عليه السلام وتعظيم دوره على البشرية إلى يوم القيامه.

كما سماه القرآن "الروح الأمين" فى قوله تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين} الشعراء:192 - 193.

كما سماه "روح القدس" فى قوله تعالى: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق} النحل:102.

ويسمى"الناموس" كما جاء على لسان ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى أول عهده بالوحى: لقد جاءك الناموس الذى نزل الله على موسى (7).

وفى آية واحدة أشار القرآن الكريم إلى ثلاثة مقامات للوحى، (8) فى قوله عز وجل: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا، أو من وراء حجاب، أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه مايشاء، إنه على حكيم} الشورى:51.

الأول: "وحيا" أى إلقاء المعنى في القلب.

ومعناه أن الله تبارك وتعالى يقذف فى روع النبى صلى الله وسلم شيئا لايمارى فيه أنه من الله عز وجل، كما جاء فى صحيح ابن حبان عن ابن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن روح القدس نفث فى روعى أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله واجملوا فى الطلب".

الثانى: "من وراء حجاب، أى بالتكليم، كما كلم الله موسى عليه الصلاة والسلام فلما سأل الرؤية بعد التكليم حجب عنها، لكنه سمع النداء من وراء الشجرة: {نودى من شاطىء الواد الأيمن فى البقعة المباركة من الشجرة أن ياموسى إنى أنا الله رب العالمين} القصص:130.

الثالث: نزول أمين الوحى جبريل على نبينا وعلى الأنبياء من قبله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فقد روى البخارى، عن عائشة رضى الله عنها، أن الحارث بن هشام رضى الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يارسول الله: كيف يأتيك الوحى؟ فقال: "أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس، وهو أشده على، فيفصم عنى -أى يقلع - وقد وعيت عنه ماقال - أى حفظت.

وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فاعى مايقول".

قالت عائشة رضى الله عنها: "ولقد رايته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقا".

وإنما كانت حالة الصلصلة أشد؛ لأنها انسلاخ من البشرية واتصال بالروحانية. وكانت الثانية أخف؛ لأنها انتقال ملك الوحى من الروحانية إلى البشرية بسهولة ويسر، بإذن من الله تعالى. وقد نزل القرآن الكريم بأكمل صورة للوحى، بواسطة إلقاء جبريل عليه السلام.

وروى الشيخان عن أبى هريرة، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "ما من الأنبياء نبى إلا أعطى ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذى أوتيته وحيا أوحاه الله إلى، فارجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة".

وما نطق به صريح الكتاب والسنة، من إثبات حقيقة الوحى ومقاماته، يبطل رأى كل مبطل مرتاب، يدعى أن الوحى نوع من الصرع؛ نتيجة مس الشيطان أو مرض فى المخ، أو تخيل إله، أو توهم جنة ونار (9). أو كما زعم البراهمة من أن العقل يغنى عن الوحى، أو كما يدعى بعض غلاة الصوفية من أن الوحى نوع من الكشف أو الفيض (10).

ولو رجعنا إلى تعاليم الإسلام، لوجدنا فكرة الوحى أسهل من كل هذا الهراء، وأضبط من جميع ألوان الافتراء على الله وعلى رسله. ومن هنا يجب الحذرمن الفكر الدخيل، (11) ومن كل غلو فى دين الله.

أ. د/عبد اللطيف محمد العبد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015