لغة: الوحدة مصدر الفعل "وحد" أى بنفسه. فهى ضد الكثرة (1). ويقال: كل شىء انفرد على حدة: أى متميز عن غيره (2).
والخلاصة أن مادة "وحد" تشير إلى الانفراد والتميز، كما أنها تدل على التقدم فى علم أو بأس (3).
واصطلاحا: تعنى أن الكائن الممكن يستلزم كائنا آخر واجبه الوجود بذاته، ليمنحه الوجود، ويفيض عليه بالخير والابداع. وذلك الكائن الواجب الوجود هو الله جل شأنه، لأنه موجود أولا بنفسه، ودون حاجة إلى أى موجد آخر؛ كيلا تمتد السلسلة إلى ما لانهاية.
وأن الكائنات الأخرى جميعها مظاهر لعلمه وإرادته، ومنه تستمد الحياة والوجود؛ ولهذا كان وجودها عرضا وبالتبع.
وبناء على هذا، فليس ثمة إلا كائن واحد موجود حقيقة وضرورة، بل هو الوجود كله، ولا تسمى الكائنات الأخرى موجودات، إلا بضربا من التوسع والمجاز (4) هذه هى النظرية التى تدعى "وحدة الوجود". وقد اعتنقها جماعة من الصوفية بعد أن أخذت الدراسات الفلسفية فى الإسلام تضمحل وتتوارى.
وقد تكونته هذه الفكرة فى أوائل القرن الثانى عشر الميلادى. وشاع أمرها فى بلاد الأندلس والمشرق، بعد ان اختلط فيها وجود التصوف بالفلسفة اختلاطا كبيرا.
وكان من أكبر أنصارها: ابن عربى (ت 638) وجلال الدين الرومى.
وربما دل ظاهر هذا الاتجاه، على أن مشايعيه قد يلتمسون عذرا للكفار من أمثال فرعون وقوم نوح وغيرهم من المشركين الذين عبدوا الأصنام، واليهود الذين عبدوا العجل.
ويدعى أنصارمذهب وحدة الوجود، أن هؤلاء الكفار ما عبدوا غيرالله، وأن خطأهم يكمن فى أنهم خصصوا شيئا دون شىء بالعبادة، وكان الأصل أن يعبدوا كل شىء. لأنه لا شىء موجود على الحقيقة إلا الله.
وحين آمن فلاسفة المتصوفة بوحدة الوجود؛ فإنهم فى نفس الوقت آمنوا بفكرة أخرى هى ما أسموه "وحدة الأديان".
فلذلك يقرون بأن المشركين والوثنيين جميعا على حق، بحجة أن الله هو كل شىء.
فمن عبد صنما أو حجرا أو شجرا أو إنسان أو كوكبا، فقد عبد الله. لكن يجب أن نفو فى هذا المجال بين وحدة الوجود، وبين وحدة الشهود. فوحدة الوجود نظرية باطلة تنافى التوحيد الصحيح. أما وحدة الشهود فهى حق.
مثال هذا: لو قال شخص إنه يرى الله في كل شىء، فإن كان يعنى أنه يرى آثارة وشواهده، فتعبيره صحيح. وإن كان يعنى وحدة الخالق والمخلوق، فالتعبير باطل واعتقاده كفرة لأنه تسليم بوحدة الوجود (5).
ولم تكن فكرة وحدة الوجود من ابتكار غلاة فلاسفة الصوفية كابن عربى والحلاج والرومى، بل كان لها جذورها لدى فلاسفة اليونان القدماء، من أمثال طاليس وهيراقليطس والرواقيين، ثم أصحاب مذهب الفيض فى الأفلاطونية المحدثة (6).
ولقد سرت عدوى وحدة الوجود، إلى بعض فلاسفة الغرب، مثل بعض الفلاسفة الفرنسيين الماديين ومنهم "ديدرو" (1713م-1784م) وإلى الفيلسوف الهولندى "سبينوزا" فى القرن الثامن عشر.
كما تأثر بها بعض أدباء أوروبا الغربية، ولاسيما أصحاب النزعة الرومانتيكية، الذين اتخذوا الطبيعة موضوعا للتأمل فى أدبهم (7).
والخلاصة أن وحدة الوجود فكرة خاطئة، لا يقرها عقل سليم ولا دين منزل. وأخطر ما فيها: أنها تنافى التوحيد الصحيح، وتؤدى إلى القول بوحدة الأديان، واسقاط التكاليف، وإلغاء المسئولية والالتزام الأخلاقى، انطلاقا من فكرة الجبر كما أنها تنبثق منها اعتقادات غير صحيحة مثل "النور المحمدى"، و"الحقيقة المحمدية".و"الإنسان الكامل". وكل ذلك ينكره الإسلام.
أ. د/عبداللطيف محمد العبد