اصطلاحا: الكيمياء علم يختص ببحث خواص الأجسام، وتغيرات بناها الداخليه بتأثير العوامل الطبيعية.
والكيميائى: هو المنسوب إلى الكيمياء. والكيمياء الفيزيائية: علم تطبق فيه قوانين الفيزياء على خواص الأجسام وتغيراتها. والنظرية الكيميائية الفيزيائية فى علم الحياة: هى القول بأن جميع ظواهر الحياة ترجع إلى ظواهر فيزيائية وكيميائية معقدة. وكيمياء العوام: هى استبدال المتاع الأخروى الباقى، بالحطام الدنيوى الفانى. وكيمياء الخواص: تخصيص القلب عن الكون باستئثار المكوّن (1).
كيمياء السعادة: تهذيب النفس: باجتتاب الرذائل وتزكيتها عنها، واكتساب الفضائل وتحليتها بها (2).
وسوف نتوسع قليلا فى كيمياء السعادة، من خلال ما كتبه الإمام الغزالى (المتوفى 505 هـ) فى رسالته الصغيرة "كيمياء السعادة " (3).
يرى الإمام الغزالى أن الكيمياء الظاهرية لا تكون فى خزائن العوام، وإنما تكون فى خزائن الملوك.
أما كيمياء السعادة فإنها لا تكون إلا فى خزائن الله سبحانه وتعالى: ففى السماء جواهر الملائكة، وفى الأرض قلوب الأولياء العارفين.
فكل من طلب هذه الكيمياء من غير حضرة النبوة، فقد أخطأ الطريق، ويكون عمله شبيها بالدينار البهرج (المزيف)، فيظن فى نفسه أنه غنى وهو مفلس فى القيامة، كما قال الله عزوجل: {لقد كنت فى غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} (ق 22).
ومن رحمه الله تعالى بعباده، أنه أرسل إليهم آلاف الأنبياء والرسل؟ كى يعلموا الناس "نسخة الكيمياء" وكيف يجعلون القلب فى كور المجاهدة؟ ليطهر من الأخلاق المذمومة، ويتوجه إلى طرق الصفاء، كما قال المولى عز وجل: {هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبلى لفى ضلال مبين} (الجمعة 2). أى يطهرهم من الأخلاقى المذمومة، ومن صفات البهائم، ويجعل صفات الملائكة لباسهم وحليتهم، وهذا هو مفهوم كيمياء السعادة.
ومقصود هذه الكيمياء: هو أن كل ما كان من صفات النقص يتعرى العبد منه وكل ما يكون من صفات الكمال يلبسه.
وسر هذه الكيمياء: أن يرجع العبد من الدنيا إلى الله تعالى، كما قال: {وتبتل إليه تبتيلا} (المزمل 8). ولا تتحقق هذه الكيمياء إلا بمعرفة الله عزوجل. ومفتاح هذه المعرفة هو معرفة الإنسان نفسه؟ لأن نفسه أقرب شيء إليه؟ فمن عرف نفسه فقد عرف ربه - صلى الله عليه وسلم -
قال الله تعالى: {سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} (فصلت 53).
ومن قال: إنى أعرف نفسى، فإنما يعرف الجسم الظاهر، دون أن يعرف الباطن الذى يجمع صفات متعددة. منها صفات البهائم، وصفات السباع، وصفات الملائكة.
فالروح حقيقة جوهر الإنسان، وغيرها غريب منه، وعارية عنده. ولكل واحد مما سبق سعادة خاصة:
فسعادة البهائم فى الأكل والشرب والنوم والنكاح، وسعادة السباع فى الضرب والفتك، وسعادة الشياطين فى المكر والشر والحيل. فمن كان من هؤلاء فليشتغل بما اشتغلوا به. أما سعادة الملائكة فإنها فى مشاهدة جمال الحضرة الربوبية، وليس للغضب والشهوة إليهم طريق. فمن كان من جوهر الملائكة، فليجتهد فى معرفة أصله، حتى يعرف الطريق إلى الحضرة الإلهية، ويبلغ إلى مشاهدة الجلال والجمال، ويخلص نفسه من قيد الشهوة والغضب. فمن لم يعرف هذه المعانى فنصيبه من القشور، لأن الحق عنه محجوب.
ومما تجب معرفته، أن نفس الإنسان من شيئين:
الأول القلب، والثانى النفس أو الروح. والنفس هو القلب الذى يعرفه الإنسان بعين الباطن، وهو حقيقة الإنسان وأصله. ولهذا غلط من ظن أن الروح قديم، أو أنه عرض أو جسم.
وتمام السعادة مبنى على ثلاثة أشياء:
قوة الغضب وقوة الشهوة وقوة العلم. فيحتاج أن يكون أمرها متوسطا، لئلا تزيد قوة الشهوة فتخرجه إلى الرخص فيهلك، أو تزيد قوة الغضب فتخرجه إلى الحمق فيهلّك. فإذا توسطت القوتان بإشارة قوة العدل ذل على طريق الهداية. وكذلك الغضب إذا زاد سهل عليه الضرب والقتل، وإذا نقص ذهبت الغيرة والحمية فى الدين والدنيا. وإذا توسط كان الصبر والشجاعة والحكمة. وكذلك الشهوة إذا زادت كان الفسق والفجور، وإن نقصت كان العجز والفتور، وإذا توسطت كانت العفة والقناعة والرضا.
أ. د عبد اللطيف محمد العبد