لغة: كَوّنه فتكوّن: أحدثه فحدث، والكون: الحدث، والكائنة: الحادثة، والله مكون الأشياء: يخرجها من العدم إلى الوجود كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: هو اللفظ المستخدم للدلالة على كل ماحولنا، من النجوم التى
نراها ليلا فى السماء، والتى تتجمع فى مجموعات تعرف بالمجرات، إلى الفضاء الواقع بين هذه المجرات، ومايوجد به من غازات وغبار كونى، بالإضافة إلى أى شىء يقدر له الوجود وراء حدود مانراه.
ولم يشعر الإنسان شعورا حقيقيا بوجود الكون إلا فى نهاية القرن الثامن عشر، عندما اكتشف أنه يسكن على سطح كوكب صغير، فى مجموعة شمسية تمثل جزءا من مجرة تحتوى على ألوف الملايين من النجوم، وأن
هناك مجرات مشابهة تقع فى الفضاء، الذى يمتد وراء هذه المجرة، والتى عرفت فى ذلك الحين باسم "الجزر الكونية".
ويعرف علماء الفلك اليوم مايزيد على مائة ألف مليون مجرة، تفصل كل مجرة عن الأخرى مساحة هائلة، وأقرب المجرات إلينا مجرة "المرأة المسلسلة" أو "الأندروميدا" وتفصلنا عنها مسافة تقدر مليونى سنة ضوئية، بمعنى: أن الشعاع الصادر منها والمنطلق بسرعة 000، 300 كم فى الثانية لا يصل إلينا إلا بعد مليونى سنة، مما يدل على أننا لانعرف شيئا عن هذه المجرة حتى الآن، فنحن نراها كما كانت فى الماضى، وربما تكون قد انفجرت، أو اختفت فى الفضاء.
وهذه الحقيقة محيرة إلى حد كبير، فنحن عندما ننظر إلى ماحولنا من نجوم أو مجرات، إنما نراها كما كانت فى الزمن الماضى، كذلك أقرب نجم إلى مجموعتنا الشمسية ويدعى "ألفاسنتورى" تفصلنا عنه نحو 3، 4 سنة ضوئية، أى تفصلنا عنه ملايين من الكيلومترات ويذكرنا ذلك بالآية الكريمة {فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} الواقعة:75،76.
وبتقدم العلم والمعرفة توصل الإنسان بفكره إلى نظرية خاصة بنشأة هذا الكون، وهى تنص على أن كل مايحتويه هذا الكون من مجرات وغازات وسحب الغبار الكونى كانت ملتحمة معا فى زمن مغرق فى القدم على هيئة كتلة مركزية شديدة التماسك والانضغاط، ثم انفجرت هذه الكتلة، وتناترت
شظاياها فى جميع الاتجاهات، ثم تحولت بمرور الزمن إلى المجرات الحالية التى يتكون كل منها من ملايين النجوم، وتعرف هذه النظرية باسم "الانفجار العظيم" وهى تتمشى مع المعنى المفهوم من الآية الكريمة {أو لم ير الدين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شىء حى أفلا يؤمنون} الأنبياء:30.
وتدل هذه النظرية على أن هذا الانفجار العظيم قد حدث منذ نحو 15.000ألف مليون سنه على وجه التقريب، وأن هذه المجرات مازالت تندفع فى الفضاء بسرعات كبيرة جدا، مما يدل على أن الكون يتمدد ويتسع بمرور الزمن، وهذا المعنى نفسه الذى ورد فى الآية الكريمة {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} الذاريات:47، ولكن هل يمتد ويستمرهذا الاتساع الى الأبد، أم هل يتوقف هذا التمدد فى المستقبل عندما تبطىء سرعة المجرات وتبدأ عملية التجاذب بينها، فينكمش الكون مرة أخرى، ويوصف عندئذ بأنه كون مغلق.
ويعتقد بعض العلماء أن الكون يحتوى على قدر كبيرمن المادة، سواء منها المادة المضيئة التى توجد على هيئة سحب من الغازات والغبار الكونى، وهو مايكفى لحدوث التجاذب بين مكوناته وانكماشه مرة أخرى، وسيستمر هذا الانكماش مدة طويلة، وتقترب المجرات بعضها من بعض لتندمج معا فى نهاية الأمر فى كتلة مركزية واحدة ثم تعود إلى الانفجار مرة أخرى لتكون كونا جديدا، ويذكرذلك بقوله تعالى: {يوم نطوى السماء كطى السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين} الأنبياء:104.
وقد وضع عالمان هما: "إدوارد نايرون" و "ألكساندر فيلينكين" نظرية تفترض أن الكون عندما ينكمش سيصل إلى حجم متناه فى الصغر، لايزيد على حجم البرتون، ثم يختفى فجأة فى العدم، وطبقا لنظرية "ميكانيكا الكم" سيظهر الكون من العدم " Out of nothingness" مرة أخرى ليتمدد بشكل نهائى مدة من الزمن، ويصعب تصور هذه النظرية، ولكنها تتمشى مع قوله تعالى {بديع السموات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} البقرة:117.
أ. د/أحمد مدحت إسلام