اللفظ: هو الصوت الذى يدل على المعنى الذى وضع له فى أية لغة أو لهجه.
والكلام اصطلاحا: هو مجموع الألفاظ التى تفيد فائدة يحسن السكوت عليها.
وهناك فرق بين الكلام والكَلمْ يحدده "الجوهرى" (1) فيقول (الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير، والكلم لا يكون أقل من ثلاث كلمات لأنه جمع كلمه.)
وهناك فرق بين الكلام والقول يحدده "ابن سيده " (2) فيقول " الكلام: القول المعروف، وقيل الكلام ماكان مكتفيا بنفسه، وهو الجمة، والقول ما لم يكن مكتفيا بنفسه، وهو الجزء من الجملة) والعرب تقول (تكلم الرجل تكَلُّما وتِكلاًمًا، وكلمه كِلاًمًا، جاعوا به على موازنة الأفعال وكالمه ناطقه، وكليمك الذى يكلمك، أو الذى تكلمه ويكلمك، يقال كلمته تكليما، وكلاما مثل كذبه تكذيبا وكذَّابا (2) والكلمة: هى اللفظة الواحدة، وفيها ثلاث لغات كَلِمة وكلِمه وكَلْمة، وهى تقع على الحرف الواحد من حروف الهجاء، وتقع على لفظه مؤلفة من جماعة من حروف ذات معنى، وتقع على قصيدة بكمالها وخطبه بأسرها ولكن على سبيل المجاز (3).
وللكلمة فى القرآن موارد كثيرة يدل كل مورد منها على معنى خاص به فى مثل: قوله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إنى جاعلك للناس إماما قال وهن ذريتى قال لا ينال عهدى الظالمين} (البقرة 134)
قال ثعلب: هى الخصال العشر التى فى البدن والرأس. (4)
وفى قوله تعالى {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه .. } (البقرة 37)
قال "أبو اسحق " الكلمات- والله أعلم- اعتراف آدم وحواء بالذنب لأنهما قالا {ربنا ظلمنا أنفسنا} (الأعراف 23)
وفى قوله تعالى: {إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم} (آل عمران 45)، فقد سمى الحق (تبارك وتعالى):ابتداء أمره كلمه، لأنه ألقى إليها الكلمة، ثم كون بالكلمة بشرا، ومعنى الكلمة معنى الولد والمعنى يبشرك بولد اسمه المسيح، هذا قول أبى منصور بتصرف، وقال الجوهرى- فيما نحن بصدده: وعيسى "عليه السلام " كلمة الله، لأنه لما انتفع به فى الدين كما انتفع بكلامه سمى به كما يقال: سيف الله وأسد الله (5). والقرآن الكريم كَلاًم الله تعالى وكَلِمُ الله تعالى وكلماته وكَلِمَتة وكلام الله تعالى لا يعد ولا يحد.
قال تعالى: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبلى أن تنفد كلمات ربى ولو جئننا بمثله مددا} (الكهف 159) والكلام النفسى القديم صفة لله تعالى وهو من الصفات الثبوتية القائمه بذاته تعالى.
وللفرق الإسلامية فى أن الكلام صفة دله تعالى مذاهب: فالمعتزلة ترى أن الكلام هو الصوت المسموع، والمكون من الحروف الأصوات، والمتكلم عندهم هو من فعل الكلام لا مَنْ قام به الكلام، وأنه- أى كلام الله تعالى- محدث لا قديم، وأنه قائم بمحل لا بالله تعالى لكن المتكلم هو الله تعالى لا المحل الذى قام به الكلام كالشجرة التى حل بها كلام الله تعالى وهو يحدث دائما وقت سماعه، وهو عندهم ما يسمع وليس نفسيا (6)
ومن هنا فقد ذهبوا إلى أن القرآن الكريم كلام الله تعالى وهو يحدث دائما وقت سماعه وقد أحدث قبل إحداثه على الرسول - صلى الله عليه وسلم - خير وأنه ليس آخر الكلام الإلهى، فهو سبحانه وتعالى تكلم حالا فحالا لكن يمكن عَدُّهُ آخر الكلام الإلهى من ناحية أنه آخر رسالة تنزل علّى بنى آدم، وأنه أيضا آخر شريعة مكتوبة.
والأشاعرة تذهب إلى أن كلام الله تعالى نفسى قديم صفة وجودية أزليه قائمة بذاته تعالى ليست بحروف ولا أصوات منزهة عن الترتيب والتقديم والتأخير، تدل على جميع الواجبات والمستحيلات والجائزات منزهة عن السكوت، وعن الآفة الباطنية، وكلام الله تعالى بهذا المعنى يسمى كلاما نفسيا، ويدل عليه الكلام اللفظى دلالة التزامية عرفا، فإن من أضيف له كلام لفظا دل عرفا على أن له
كلاما نفسيا، وقد أضيفا إلى الله تعالى كلام لفظى كالقرآن الكريم فيدل التزاما عرفا على كلام الله تعالى النفسى.
ويعرفه الإمام الجوينى (7) وهو من مشاهير الأشاعرة فيقول (هو الفكر الذى يدور فى الخلد، وتدل عليه العبارات تارة، ومات يصطلح عليه من الإشارات ونحوها).
والكلام نوعان: نفسى، ولفظى، وهما يفترقان فى النقاط التالية:
أولا- الكلام اللفطى صوت وحرف وجملة وأمر ونهى، أما الكلام النفسى فليس كذلك.
ثانيا- الكلام النفسى بالنسبه للإنسان محله القلب، والكلام اللفظى محله اللسان والشفتان.
ثالثا- الكلام النفسى يكون صفة لله تعالى بقدر ما ينسب إلى الإنسان تقول: حدثتنى نفسى، والكلام اللفظى لا يكون صفة لله تعالى إلا عند وجود المخاطبين فى صورة الأوامر والنواهى، وكالقرآن الكريم، ويكون صفة للإنسان على الإطلاق.
رابعا- الكلام النفسى بالنسبة لله تعالى قديم، وبالنسبة للإنسان أسبق من اللفظى، وإن كان حادثا مثله يقول الشاعر العربى:
إن الكلام لفى الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
ويقول آخر:
صعدت إلى شفتى خواطر مهجتى ليبين عنها منطقى ولسانى
وأخيرا:
الكلام الإلهى لا يوجد بمحل، كما تقول المعتزلة، وإلا كان المحل هو الموصوف بالكلام.
وإذا ذهبت المعتزلة إلى أن الكلام الإلهى حادث لحدوث متعلقاته، فإن الأشاعرة يذهبون إلى أن الكلام الأزلى لا يتصف بكونه
أمرا أو نهيا، أو خبرا إلا عند وجود المخاطبين، واستجماعهم شرائط المأمورين المنهيين.
أ. د/ عبد السلام محمد عبده