الكعبة بناء شبه مريع بنى قبل إبراهيم - عليه السلام - فيما رواه المؤرخون، ثم رفع قواعدها إبراهيم وابنه إسماعيل - عليه السلام -، ثم جُدّد بناؤها عبر التاريخ عدة مرات، على يد العمالقة ثم جرهم، ثم قصى بن كلاب (جد النبى - صلى الله عليه وسلم -) ثم قريش حيث اشترك معهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة ثم بناها عبد الله بن الزبير ثم الحجاج بن يوسف الثقفى فى جزء منها، وأخيرا بناها السلطان مراد الرابع العثمانى (1040هـ/1630م، وهى آخر بناء للكعبة، حج إليها العرب فى الجاهلية، وكانت معبد قريش الأكبر، ومقراً لأصنامهم، إلى أن طهرها النبى - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح وحطم الأصنام، ويحج إليها المسلمون من مختلف الأقطار، وتسمى البيت، والبيت العتيق، والبيت الحرام، وكانت فى البداية مكشوفة، ثم سقفت وكسيت بالديباج.
ليس المقصود بالكسوة تاريخيا كسوة الكعبة فقط، بل تشمل أيضا، كسوة الحُجْرة النبوية، وكسوة حِجْر إسماعيل، ومقام إبراهيم، فضلا عن بعض الستائر لبعض الأضرحة.
وهناك خلاف حول أول عن كسا الكعبة، هل هو إسماعيل جد النبى الأعلى. أم عدنان؟ أم تُبَّع أبو كرب أسعد عيلك حمير ويمكن التوفيق بين الآراء بأن إسماعيل أول من كسأها بعده، وأن عدنان أوله من كسأها بعده، وأن تبع أول من كساها كسوة كاملة كما
نص على ذلك المؤرخون.
وقد كسا العرب فى الجاهلية الكعبة بمختلف أنواع الأكسية (الوبر والشعر والجلود والديباج، والثياب اليمانية).
وفى عصور الدولة الإسلامية (العصر النبوى والراشدى والأموى والعباسى، كسيت الكعبة كسوتين الديباج يوم التروية والقباطى المصرية يوم سبع وعشرين من رمضان، وأحيانا كانت تسمى ثلاث أو أربع مرات فى السنة، وأصبحت كسوة القباطى تصنع فى مصر بعد فتحها بصفة رسمية منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وكانت تخرج منها سنويا باستثناء بعض السنوات القليلة إبان ضعف العباسيين. وبعد زوال الدولة العباسية (656هـ/1258م)، استمرت الكسوة ترد إلى الكعبة مرة واحدة، من مصر أحيانا ومن اليمن أحيانا أخرى إلى عهد الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر محمد بن قلاوون المملوكى
(743هـ/746هـ) 1342 - 1345 م) حيث اختصت مصر بإرسال كسوة الكعبة كل عام من الوقف الذى وقفه (وهو ثلاث قرى مصرية: بسوس وسندبيس وأبو الغيط) على صناعة الكسوة هـ وقد أشترى السلطان سليمان الأولى العثمانى 926 - 974 هـ/ 1520 - 1566م) م، سبع قرى عصرية أخرى وأضافها إلى الوقف السابق فصار عشر قرى سنه (947 هـ/1540 م) وذلك لصناعة الكسوة الخارجية فى كل عام، والداخلية والكساوى الأخرى كل خمسة عشر عاما مرة واحدة، وقد استمرت صناعة وإرسال الكسوة من مصرمن ريع هذه الأوقاف سنويا طوال العصر العثمانى والعصر الحديث باستثناء بعض السنوات لظروف خاصه حتى توقف إرسالها نهائيا من مصر سنة (1382هـ/ 1963م).
أما عن أماكن تشغيل الكسوة بمصر عبر التاريخ فهى مدن: تنيس، وتونة، وشطا (بالقرب من دمياط) للشهرة الفائقة فى صناعة النسيج، ثم المشهد الحسينى، ثم القلعة، ثم استقرت صناعتها فى مطلع عشرينات القرن التاسع عشر حتى توقفت نهائيا سنه 1382هـ/1963م فى دار الكسوة بالخرنفشى بالقاهرة، حيث انتقلت صناعتها إلى مكة المكرمة إلى يومنا هذا.
وتتألف كسوة الكعبة التى كانت ترسلها مصركل عام (فى العصر الحديث) من ثمانية ستائر (أحمال الكسوة) وثمانية أحزمة، وأربع كروشيات، وستارة باب الكعبة المعروفة بالبرقع، وكسوة مقام الخليل إبراهيم - عليه السلام -، وستارة باب مقدرة الخليل إبراهيم عام - عليه السلام -، وستار باب التوبة، وستار باب المنبر الملكى، وكيس مفتاح الكعبة، وكلها من الحرير الأسود والأحمر والأخضر والأصفر، ومطرزة بأسلاك الذهب والفضة الخالصة والفضة الملبسة بالذهب ومحلاة بالآيات، الكريمة، هذا بالإضافة إلى، لوازم تعليق الكسوة من حبال وغيرها.
والمحمل كان يطلق على الجمل الذى يحمل الهدايا العينية والنقدية إلى الكعبة المشرفة وكان يغطى بقطعة من الجوخ والذى كان يصاحب قافلة الحج ككل عام، وقيل هو الهيكل الخشبى المخروط الشكل الذى يحلى بأجمل زينة، ومن الصعب تحديد بداية ظهور المحمل بصورته المبسطة التى تقتصر على إرسال جمل يحمل الهدايا إلى البيت العتيق، لاحتمال حدوثه قبل الإسلام لأن تقديس العرب للكعبة، وإرسال الهدايا إليها كان أمرا مألوفا لدى العرب منذ الجاهلية، وقد سير النبى - صلى الله عليه وسلم - محملا الى مكة بهدايا إلى البيت المعظم، كما تبارى ملوك المسلمين وأمراؤهم عبر التاريخ فى إرسال المحامل التى تحمل هداياهم إلى الحرمين الشريفين كل عام مثل المحمل العراقى والشامى واليمنى والمغربى والتكرورى والرومى (التركى) ومحمل النظام هلك حيدر آباد بالهند، ومحمل ابن الرشيد وابن سعود وابن دينار بالسودان، فضلا عن المحمل المصرى الذى كان يصاحب الكسوة كل عام، ولم تكن المحامل إلا جمالا تحمل هدايا إلى الحرمين الشريفين مغطاة بقطعة بسيطة من الجوخ، وكانت تعود تلك المحامل إلى ديارها بعد الحج والزيارة حتى بداية العصر الملوكى، أما خروج المحمل فى موكب رسمى تحيط به مظاهر الاحتفال والأبهة والزينة والحرس والجنود، فقد كان عند خروج شجرة الدرمن مصرفى هودجها للحج سنة (645 هـ/1247م) الأمر الذى جعل بعض المؤرخين يؤرخ بداية ظهور المحمل بتك السنة، وقد صار خروج المحمل على تلك الصورة عادة يقوم بها ملوك مصر كل سنة، ويبالغون فى الاحتفاء به- خاصة الظاهر بيبرس-ويزيدون فى زينته سنة بعد أخرى حتى بلغت زنة كسوة المحمل مع هيكله
الخشبى أربعة عشر قنطارًا، بحيث صارت الهدايا تحمل فى صناديق تحملها جمال أخرى تسيرمع قافلة الحج.
وقد وصفه أحد الرحالة فى القرن 12هـ/18م بقوله: يبدو عليه حسن الطلعة، وجمال الصنعة، بخرط متقن وشبابيك ملونه بأنواع الأصباغ، وعليها كسوة من الديباج المخوص (المزركش) بالذهب، ورأس الجمل ورقبته وسائر أعضائه محلاة بجواهر منظمه أبلغ نظم، وعليها رش محلى بمثل ذلك، والجمل نفسه خضب جلده بالحناء ويقوده سائسه ويتبعه جمل آخر على مثل هيئته، وثالث يحمل الكسوة المشرفة ملفوفة قطعا قطعا كل قطعة منها على أعواد تشبه السلالم. وكان للمحمل كسوتان: كسوته اليومية وهى من القماش الأخضر، وكسوته المزركشة وهذه لا يلبسها إلا فى المواكب الرسمية، وكان يحتفل بخروج المحمل والكسوة من مصر كل عام منذ العصر المملوكى وإبان العصرين العثمانى والحديث وحتى توقف سفر المحمل وألغى نهائيا عام (1372هـ/953 1 م)، واقتصر الاحتفال بالكسوة فى المسجد الحسينى حتى توقف إرسالها من مصر نهائيا سنة (1382هـ/1963م)، حيث كان يسير الموكب فى شوارع القاهرة، وفيه الجنود الراكبة والبيادة، وحرس المحمل وركبه وخدمته، وأمير الحاج الذى يعين سنويا، وهو من الباشوات العسكريين فى الغالب، كما كان يحضره حاكم مصر أو نائبه، ورجال حكومته من الوزراء والعلماء وكبار الشخصيات. كما كان يحتفل بوصول المحمل والكسوة فى مكة المكرمة إبان تلك العصور، واكتسب الاحتفال الطابح الرسمى منذ إعلان الدستور العثمانى سنة 1326هـ/1908م حيث كان يصل ركب المحمل والكسوة الى التكية المصرية فى مكة حيث يبقى المحمل ثم يخرج موكب الكسوة فى احتفال مهيب يحضره أمير الحاج المصرى، وأمين الصرة، وحرس المحمل، وبعض القوات العثمانية، والموسيقى العسكرية، حيث تحمل صناديق الكسوة، وتسلم فى نهاية الاحتفال إلى الشيخ الشيبى شيخ السدنة، وحامل مفتاح الكعبة المعظمة ليتم إلباسها للكعبة بعد إنزال الكسوة القديمة فى الموعد المحدد يوم النحر.
وفى العصر السعودى توقفت كل تلك الاحتفالات كل توقف نزول المحمل إلى الأراضى المقدسة منذ سنة 1355هـ/1936م، ثم ألغى المحملى نهائيا، كما ألغيت كل تلك الاحتفالات فى شوارع القاهرة منذ عام (1372هـ/1953م)، ثم توقف إرسال الكسوة من مصر نهائيا سنة (1382هـ/1963م)، وقد بلغت تكاليف المحتمل وتسفيره فى العصر الفاطمى مائة وعشرين ألف دينار، زادت فى بعض السنوات إلى مائتى ألف دينار وفى العصر العثمانى سبعه أكياس مصرية، وقد يزيدها ناظر الكسوة- أحيانا- من أربعه إلى ستة أكياس مصرية، أما فى العصر الحديث (1382هـ/1963م) فقد وصلت تكاليف المحمل والصرة الى خمسين ألف جنيه مصرى.
أما عن علاقة المحمل بالكسوة الشريفة، فقد كان المحمل يعتبر فى نظرمن اهتموا بخروجه رمزا لأمان الحجاج لما كان يرافقه مع الكسوة من الجند المسلحين لحراسة وتأمين قافلة الحج من أخطار الطريق المختلفة، أبرزها: قطاع الطرق، وهجوم العربان على قوافل الحج، وسلبها ونهبها، وأحيانا قتل الأبرياء، والحيلولة بينهم وبين تحقيق أمنيتهم فى أداء فريضة الحج، أما عن تكاليف صناعة الكسوة، فقد بلغت فى العصر العثمانى (61 2762) درهما فضة أى 32 ألف كيس، وفى العصر الحديث 43 1 4 جنيها مصريا سنة 1318هـ/1901م 550 جنيهاً مصرياً سنة 1318هـ/1910م، 0322 1جنيها مصريا سنة 1340هـ 1922م.
أ. د/ السيد محمد الدقن