لغة: يدور حول معنيين: الحبس، وألا يبلغ الشىء مداه ونهايته، كما فى اللسان، ومن الأول قوله تعالى {وعندهم قاصرات الطرف عين} الصافات:48.
ومن الثانى: قوله تعالى {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} النساء:101، ودلالة القصر، والحصر، والاختصاص متقاربة.
واصطلاحا: دلالة: قريبة من معنى الحبس اللغوى، لأنه تخصيص شىء بشىء بطريقة مخصوصة.
فجملة القصر المكونة من موصوف وصفة، تنتظم حكمين، إثبات الحكم للمقصور عليه، ونفيه عن غيره، فهى تنحل إلى جملتين فى المعنى، وتغنى غناءهما، وتداخل النفى والإثبات فى القصر، يجعله مركزا ذا إشعاع
وظلال وقوة حسم لأنه من أقوى طرق التوكيد.
وينقسم القصر إلى:
أولا: القصر الحقيقى، والإضافى: وهذا التقسيم راجع إلى اعتقاد المتكلم، وواقعه النفسى وإلى الواقع الخارجى، فالقصر إثبات شىء لشىء لايتعداه إلى غيره، وهذا الغير المنفى: إذا كان عاما فى الواقع كان القصر حقيقيا وإن كان خاصا معينا كان قصرا إضافيا.
فالحقيقى كقوله تعالى {والهكم إله واحد لا إله إلا هو} البقرة:163.
بقصر الألوهية على الله تعالى، بمعنى نفى كل فرد من الآلهة ثم حصرذلك المعنى فيه تبارك وتعالى.
والقصر الإضافى: تخصيص شىء بشىء دون غيره أومكانه.
وينقسم الإضافى إلى قصر قلب، وإفراد وتعيين، حسب حال المخاطب واعتقاده.
فقصر القلب إنما يكون فى المتقابلات فى الصفات، والموصوفات: إذا كان المخاطب يعتقد عكس مايثبته المتكلم. كموقف المشركين من القرآن الكريم كما سجل القرآن على ألسنتهم قال تعالى {إن هذا إلا قول البشر} المدثر:25، وقوله: {إن هذا إلا أساطير الأولين} المؤمنون:83، وقوله تعالى {إن هذا إلا اختلاق} ص:7، دلالة الحيرة والاضطراب والكذب بأنه غير حق.
أما قصر الإفراد، فالمخاطب يعتقد إشتراك الموصوف فى صفتين أو قيام الصفة بموصوفين، فيكون أسلوب القصر إفرادا لأحدهما ونفيا للثانى، كقولة تعالى {فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر} الغاشية:21 - 22، والصفة المنفية الإكراه والإجبار.
وقصر التعيين حين يكون عند المخاطب إيهام وتردد كقولنا: إنما التحلل من القيم داء الأمم، لمن يسوى أو يتردد بين آثار التخلق بالقيم والتحلل منها.
ثانيا: وينقسم باعتبار الطرفين: إلى قصر صفة على موصوف، وقصر موصوف على صفة، والصفة مطلق المعنى القائم بالغير، وليس الصفة النحوية. والموصوف وما قام بنفسه، سواء كان ذاتا أو معنى موصوفا.
فمن قصرالصفة على الموصوف قوله تعالى {ياك نعبد وإياك نستعين} الفاتحة:5.
وهو قصر حقيقى إخلاصا فى العبادة، وطلب الإعانة.
ومن قصرالموصوف على الصفة قوله تعالى {وماتسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين} يوسف:104.
وهو قصر إضافى، أما قصر الموصوف على الصفة قصرا حقيقيا، دون غيرها من الصفات، فقالوا إنه لايكاد يوجد لتعذر الإحاطة بالصفات، إلا بضرب من المبالغة.
كقولك: ماشوقى إلا شاعر. فقد بلغ فى الشعر المدى حتى كأنه لاصفة له إلا الشعر، وهذا كثير فى اللغة والاستعمال البليغ وإثبات صفة. دون سواها، أو موصوف دون غيره فى القصر، إنما هو تحييد وتحديد يلتقط ما له خطر، ويدفع المنفى تمييزا وإظهارا للمعنى.
والطرفان من صفة أو موصوف قد يطول أحدهما استيفاء للمعنى وهو كثير فى القرآن الكريم قال تعالى {وماتكون فى شأن، وماتتلوا منه من قرآن ولاتعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه} يونس:61.
وهو قصر لهذه الحالات الثلاث على كونها مشهودة مراقبة من الله تعالى غرسا للمراقبة فى أعماق الإنسان.
وطرق القصر كثيرة وهى الوسائل التى تحدث فى الأسلوب هذه الخصوصية، ومنها: ضمير الفصل كقوله تعالى عن المتقين {أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} البقرة:5.
ومنها تعريف الطرفين كقوله تعالى {إننى أنا الله لا إله إلا أنا} طه:14.
وأشهر هذه الطرق أربعة:
1 - النفى والاستثناء ويكون غالبا فى المقامات القوية الجهيرة، كقوله تعالى {وإن من شىء إلا عندنا خزائنه وماننزله إلا بقدر معلوم} الحجر:21، والمقصور عليه: المؤخر.
2 - "إنما" -حملا على النفى والاستثناء- فى المقامات الجلية أو المنزلة منزلتها، وكثيرا ما تفيد التعريض -باقتضاء المقام- كقوله تعالى {إنما يستجيب الذين يسمعون} الأنعام:36 والمقصور عليه المؤخر.
3 - تقديم ماحقه التأخيركقول تعالى {لكم دينكم ولى دين} الكافرون:6.
وقوله تعالى {ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا واليك المصير} الممتحنة:4.
والمقصورعليه المقدم.
4 - العطف ب "بل" ولكن و "لا"،ويشترط فى بل ولكن تقدم نفى، ومن شواهد هذا الطريق قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لاتشعرون} البقرة:154. وقول عز وجل {وماظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون} آل عمران:117، والواو لثانية لا تمنع القصر عند كثير من العلماء وتقول فى العطف بلا: شوقى شاعر لاخطيب.
لغة: الجهة، يقال: ما لكلامة قبلة، جهة.
أ. د/صبّاح عبيد دراز