لغة: قرش الشىء، يقْرِشُه أى قطعه وجَمَعَه من ههنا وههنا، وضم بعضَه إلى بعض.
واصطلاحا: أشهر قبائل العرب العدنانية على الإطلاق وسميت هذه القبيلة العربية قريشاً لتجمعهم إلى الحرم المكى، وثمت روايات أخرى عن سبب هذه التسمية، وكلها تدور حول ذلك المعنى اللغوى. والنسبة إلى قريش: قريشى، وقرشى.
ويعرِّف بهم ابن حزم بقوله (وَلَدُ فهربن مالك هم قريش، لا قريش غيرهم، ولا يكون قريشى إلا منهم، ولا من ولد فهر أحد إلا قريشى). وينتمى فهرُ بنُ مالك إلى جده الأعلى (عدنان) على هذا النسق: فِهْر ابن مالك بن النَّضْر بن كِنانَة بن خُرَيْمة بن مُدْرِكة ابن إلياس بن مُضر بن نزار بن مِعَدّ بن عَدْنان.
ويرتبط ذكر قريش فى التاريخ، ومكانتهم بين العرب جميعا بمكة المكرمة، وبيت الله الحرام الذى يقدسه العرب، ويحجون إليه فى كل عام، غير أن هذا الذكر والمكانة إنما يرجعان إلى عهد قريب من ظهور الإسلام، أما قبل ذلك فلم يكن لقريش شأن يكاد يذكر. وفى هذا الصدد يذكر المؤرخون: أن قُصَىَّ بن كلاب بن مُرَّة بن كعب بن لُؤَىّ بن غالب بن فهر ... بن عدنان، قصى هذا هو الذى يرجع إليه الفضل فى ظهور قبيلة قريش على مسرح الأحداث فى مكة، واتجاه أنظار العرب إليها، وذلك حين تمكن من جمع شمل أبناء قبيلته وتوحيد صفوفهم، ومن ثم استطاع التغلب على قبيلة خزاعة بعد قتال عنيف، كان النصر فيه لقصى وقريش، ثم عُقد صلح بين الفريقين على أن يتولى قصى أمور مكة والبيت الحرام، فأصبح أول رجل من قريش يدين له أهل مكة جميعا بالسمع والطاعة؛ فتولى حجابة البيت، وسقاية الحجاج ورفادتهم، ورئاسة الندوة واللواء والقيادة، وكان ذلك التطور الكبير فى تاريخ مكة وقريش فى النصف الأول من القرن الخامس الميلادى، أى قبل ظهور الدعوة الإسلامية بما يزيد قليلا عن قرن ونصف قرن من الزمان.
لما استقر الأمر لقصى جمع قريشاً وأمرهم أن يبنوا دورهم داخل مكة إلى جوار الكعبة، بعد أن اتخذ لنفسه دار الندوة، وجعل بابها إلى البيت العتيق. وفى هذه الدار كان كبار رجال قريش يتبادلون الرأى فى أمور السلم والحرب، وفيها تُبرم عقود الزواج، وتُنجز المعاملات، ويرتبط بذلك أنه لا يدخل دار الندوة إلا الرجال الذين بلغوا سِنّ الأربعين، وهم بهذه المثابة يمثلون حكومة مكة، ولذلك التزم الناس بأوامرهم، كما صارت أوامر قصى بن كلاب مطاعة فيما بينهم.
وقبل وفاة زعيم مكة قام بتوزيع وظائف على أبنائه، فأعطى عبد الدار بن قصى حجابة البيت ودار الندوة واللواء، أما عبد مناف بن قصى فأعطاه السقاية والرفادة والقيادة، ونتيجة لذلك ظلت الأوضاع مستقرة بعد وفاة قصى، واستمرت قريش فى إدارة شئون مكة والبيت الحرام والقيام على خدمة الحجيج ورعايتهم.
لقد برز من خلفاء قصى العديد من رجال قريش الذين قاموا بأعمال مهمة أدت إلى ازدهار مكة، ورفعة شأن قبيلتهم بين العرب، ومن أشهرهم: هاشم بن عبد مناف بن قصى، الذى نجح فى عقد الإيلاف لقريش، وتوسيع نطاق التجارة المكية حيث أخرجها من الحدود المحلية إلى دائرة المجال الدولى؛ فأخذ الحلف من قيصر الروم لتجار قريش على أن يدخلوا الشام بتجارتهم ويعودوا منها آمنين، كما أنه هو الذى سَنّ لقريش رحلتى الشتاء إلى اليمن والحبشة، والصيف إلى الشام وغزة وآسيا الصغرى. وتولى بعد أبيه سقاية الحجاج وإطعام فقرائهم، وحفر عدة آبار جديدة ليرتفق بها أهل مكة وحجاج البيت. لقد كان اسمه عمر، ولكن غلب عليه لقب (هاشم)، لأنه هشم الثريد لقومه بمكة فى إحدى المجاعات. ومع هذه الأعمال جميعا فقد توفى شاباً وهو فى رحلة تجارية إلى غزة فى سنة 524 ميلادية تقريبا. واشتهر أخوه المطلب بن عبد مناف بن قصى بالنسك والنهى عن الظلم والعدوان، والحث علّى مكارم الأخلاق. وكانت وفاته باليمن.
أما عبد المطلب بن هاشم، فكان أحد وجهاء مكة، وأشهر زعماء قريش فى عصره، وهو الذى لم يرهب لقاء أبرهة الحبشى الذى زحف على رأس جيش قوى من اليمن إلى مكة ليهدم البيت الحرام، وقال له واثقا مطمئنا: إن للبيت ربّا يحميه!! وصدق عبد المطلب " فقد حمى الله بيته، ودمر جيش أبرهة، وسجل القرآن الكريم هذه الحادثة الخطيرة فى تاريخ مكة وقريش فى سورة الفيل، واشتهر عبد المطلب كذلك بالفياض لجوده وسخائه، وإكرامه حجاج بيت الله- على الرغم من أنه لم يكن أغنى رجال مكة، ولُقِّب شيبة الحمد لكثرة حمد الناس له. وهو الذى حفر بئر زمزم التى استغنى بها أهل مكة عن الآبار الأخرى لغزارة مائها ولطف مذاقها. وقد توفى عبد المطلب قبل الهجرة بنحو خمسة وأربعين عاماً (579 م).
ومن أبناء عبد المطلب المشهورين بين رجالات قريش: أبو طالب وشقيقه عبد الله (والد النبى محمد - صلى الله عليه وسلم -)، والعباس جد الخلفاء العباسيين، وحمزة أسد الله، الذى استشهد فى غزوة أحد سنة ثلاث هجرية (625 م).
أما أهم أسباب شهرة قبيلة قريش ومجدها المؤثل على مر التاريخ، فهو أن الله سبحانه قد شرفها ورفع ذكرها فى العالمين باختيار أحد أبنائها ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين، وهو: محمد - صلى الله عليه وسلم - بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى، الذى وُلد بمكة المكرمة فى عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وخمسين سنة (570 م)، وأوحى إليه وكلف بالرسالة حين بلغ الأربعين من عمره المبارك، ومن ثم أخذ يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونبذ عبادة الأصنام السائدة بين قريش والعرب جميعا، فمنهم من آمن به وصدقه، ومنهم من كفر بدعوته وصد عنه. ولكن بعد جهاد عظيم وكفاح مرير، ومعاناة شديدة، وهجرة من مكة إلى يثرب (المدينة المنورة) تكللت جهوده وجهاده بانتصار الحق الذى جاء به ودعا إليه وانتشار دعوته (دعوة الإسلام) فى مكة وسائر أنحاء شبه الجزيرة العربية. ولم تصعد روحه الطاهرة إلى بارئها فى سنة إحدى عشرة للهجرة (632 م)، إلا بعد اكتمال الرسالة، وإتمام نعمة الإسلام عليه وعلّى أمته، فأصبح العرب جميعا يدينون بالإسلام، والحمد لله رب العالمين ...
أ. د/ محمد جبر أبو سعدة