11 - القرآن الكريم

لغة: مصدر للفعل "قرأ" بمعنى تلا، ثم نقل من هذا المعنى المصدرى وجعل اسما لكلام الله تعالى.

واصطلاحا: هو كلام الله تعالى المعجز المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم المكتوب فى المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته.

وللقرآن الكريم أسماء كثيرة من أشهرها:

(أ) الفرقان: وسمى بذلك لتفرقته بين الحق والباطل، قال تعالى {تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نديرا} الفرقان:1.

(ب) الكتاب: كما فى قوله تعالى {الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا} الكهف:1.

(ج) الذكر: كما فى قوله عز وجل {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون} الزخرف:44.

(د) التنزيل: كما فى قوله تعالى {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح

الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربى مبين} الشعراء:192 - 195.

هذه أشهر أسماء القرآن الكريم، وقد ذكر له بعض العلماء أسماء أخرى إلا أنها فى الحقيقة صفات للقرآن الكريم وليست أسماء له.

وقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لمقاصد سامية من أهمها:

(أ) المقصد الأول، أن يكون هداية للناس، يهديهم إلى ما يسعدهم فى دنياهم وفى آخرتهم.

وتمتاز هداية القرآن بتمامها وعمومها ووضوحها:

تمتاز بتمامها لأنها اشتملت على جميع ما تحتاج إليه البشرية فى عقائدها وعباداتها ومعاملاتها، وسلوكها، وآدابها، وأخلاقها، ومطالبها الروحية والمادية.

وتمتاز بعمومها، لأنها شملت الإنس والجن فى كل زمان ومكان، لأن رسالة النبى صلى الله عليه وسلم الذى نزل القرآن على قلبه من ربه كانت رحمة للعالمين.

وتمتاز بوضوحها، حيث يدركها الإنسان الذى رسخ فى ألوان العلوم والمعارف، كما يدرك منها الأمى الذى لا يعرف القراءة والكتابة ما ينفعه ويصلحه.

(ب) المقصد الثانى: الذى من أجله أنزل الله تعالى القرآن الكريم أن يكون معجزة ناطقة فى فم الدنيا بصدق النبى صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه وشاهدة بأن هذا القرآن ليس من كلام مخلوق، وإنما هو من كلام الخالق عز وجل، والدليل الساطع على أن هذا القرآن هو المعجزة الكبرى للرسول صلى الله عليه وسلم التى تحدى الناس جميعا أن يأتوا بمثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثله فنكصوا على أعقابهم وانقلبوا خاسرين. قال تعالى {وان كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله، وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين. فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} البقرة:23 - 24.

وإذا كانا العرب وهم أرسخ الناس قدما فى البلاغة والفصاحة والبيان، قد عجروا عن أن يأتوا بسورة من مثل القرآن الكريم، فغيرهم أشد عجزا، ولو أن أحدا أتى بمثل سورة واحدة من القرآن، لنشرها أعداء الإسلام، ولكننا لم نقرأ ولم نسمع بأن أحدا قد أتى بمثل هذه السورة، ومادام الأمر كذلك، فقد ثبت أن هذا القرآن من عند الله: {ولو كان من عند غيرالله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} النساء:82.

(ج) المقصد الثالث: الذى من أجله أنزل الله القرآن الكريم، هو التقرب إليه سبحانه بتلاوته بمعنى أن قراءة القرآن، ترفع درجات المسلم، وتزيد فى ثوابه وفى تهذيب أخلاقه، وفى تنقية عقيدته وسلوكه ونطقه من كل ما لا يليق.

قال تعالى: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية. يرجون تجارة لن تبور} فاطر:29.

وفى الصحيحين عن عاتشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذى يقرأ القرآن وهو ماهر به -أى: يقروه قراءة صحيحة- مع الكرام البررة والذى يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له آجران عند الله تعالى).

وفى صحيح البخارى عن عثمان بن عفان رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

والقول الصحيح: إن أول ما نزل من القرآن، هو صدر سورة "اقرأ" بدليل الأحاديث التى، وردت فى ذلك.

وأما آخر ما نزل من القرآن فهو قوله {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفس ماكسبت وهم لا يظلمون} البقرة:281.

وهذا هو الرأى الراجح بين المحققين من لعلماء، لأن هذه الآية قد نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم قبيل وفاته بتسع ليال، كما جاء فى بعض الروايات.

أما الآية التى يقول الله تعالى فيها: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة:3. فقد نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فى حجة الوداع، وفى السنة لعاشرة من الهجرة، وكان نزولها قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأكثر من شهرين. والمراد بإكمال الدين فى الآية الكريمة: إتمام النعمة، وإكمال تشريعاته التى تتعلق بالعبادات والمعاملات وغير ذلك من الأحكام.

ولاشك أن الإسلام فى حجة الوداع، كان قد ظهرتف شوكته، وعلت كلمته.

والقرآن ينقسم إلى مكى ومدنى:

فالقرآن المكى: هو الذى نزل على لرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ولو كان نزوله فى غير مكة.

والقرآن المدنى: هو الذى نزل على لرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة ولو كان نزوله فى غير المدينة.

والسور المكية الخالصة عددها اثنتان وثمانون سورة، والسور المدنية الخالصة عددها عشرون سورة، وهناك اثنتا عشرة سورة منها ما يغلب عليه النزول قبل الهجرة، وبذلك يكون عدد سور القرآن الكريم مائة وأربع عشرة سورة.

والسور المكية نراها فى الأعم الأغلب تفصل الحديث عن الأدلة على وحدانية الله وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن يوم القيامة حق.

أما السور المدنية فنراها فى الأعم الأغلب تفصل الحديث عن الأدلة التى تتعلق بسمو الشريعة الإسلامية، فى معاملاتها، وفى عباداتها، وفى تنظيمها للأسرة وللعلاقات بين المسلمين وغيرهم.

ومن المتفق عليه بين المسلمين أن نزول القرآن الكريم على النبى صلى الله عليه وسلم استغرق مدة تزيد على عشرين سنه، وقد ذكر العلماء

حكما وأسرارا لنزول القرآن مفرقا من أهمها:

1 - تثبيت قلب النبى صلى الله عليه وسلم وتسليته عما أصابه من قومه عن طريق قصص الأنبياء السابقين.

2 - التدرج فى تربية الأمة دينيا وأخلاقيا وثقافيا واجتماعيا وعقليا.

3 - الإجابة على أسئلة السائلين الذين كانوا يسألون النبى صلى الله عليه وسلم أسئلة معينة، فينزل القرآن بالإجابة عليها.

4 - لفت أنظار المؤمنين إلى ما وقعوا فيه من أخطاء حتى لا يعودوا إليها مرة أخرى.

5 - تيسير حفظ القرآن فقد كان الصحابة كلما نزلت آية أو آيات حفظوها عن النبى صلى الله عليه وسلم.

وأكثر سور القرآن وآياته نزلت للهداية والسعادة الإنسانية فى حاضرها ومستقبلها، ومنه ما نزل لبيان ما هو حق فى أحداث خاصة حدثت بين المسلمين فيما بينهم، أو حدثت بينهم وبين غيرهم، كالآيات التى نزلت فى أعقاب حديث الإفك، الذى أشاعه المنافقون عن السيدة عائشة رضى الله عنها وكالآيات التى نزلت فى أعقاب ما حدث من حاطب بن أبى بلتعة عندما أخبر أهل مكة بأن المسلمين يعدون العدة لفتح مكة.

والتفسير معناه: التوضيح والتبيين لشىء يحتاج إلى ذلك، وقد عرف العلماء علم التفسير للقرآن: بأنه علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى فى كلامه بقدر الطاقة البشرية. ويعد علم التفسيرمن العلوم التى لايستغنى عنها، فعن طريقه يستطيع المسلم أن يعرف ما إشتمل عليه القرآن من هدايات وتوجيهات.

وكتب التفسير للقرآن الكريم كثيرة ومتنوعة، منها القديم ومنها الحديثه، ومنها الكبير، ومنها المتوسط، ومنها الوجيز، ومنها التفسير بالمأثور، كتفسير ابن جرير الطبرى المتوفى سنة 310هـ، وتفسير"الدر المنثور فى

التفسير بالمأثور" للسيوطى المتوفى سنة 911هـ، ومنها تفسير الإمام ابن كثير المتوفى سنة 774هـ، ومنها التفسير بالرأى: كتفسير "البيضاوى" وتفسير الفخر الرازى، وتفسير الكشاف، وتفسير الألوسى وغيرهم. ولكل تفسير من هذه التفاسير مزاياه التى قد لا توجد فى غيره.

أ. د/محمد سيد طنطاوى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015