اصطلاحاً: " القبض "- ويقابله " البسط " هما من مصطلحات الصوفية، وهما من " الأحوال " عندهم "والحال " هو معنى يرد على القلب من غير تعمد ولا اجتلاب ولا اكتساب- من طرب أو حزن أو بسط أو قبض أو شوق أو انزعاج- فالأحوال "مواهب " فى حين أن "المقامات " مكاسب- أى تحصل بالاكتساب. والفرق بين الأحوال والمقامات أن الأحوال صغيرة غير ثابتة، أما المقامات فهى مستقرة.، والقبض " يكون بعد ترقى العبد عن حال الخوف ".
كما أن "البسط " يكون بعد ترقى العبد عن حال "الرجاء".
"والخوف " والرجاء" إنما يتعلقان بالمستقبل، كالخوف من فوت ما يحب أو وقوع ما يكره-وكالرجاء فى الحصول على ما يحب والنجاة مما يكره.
أما " القبض والبسط " فيتعلقان بالوقت الحاضر؛ فصاحب القبض والبسط أسير لوقته الحاضر بوارد غلب عليه فى الحال. ويشبه "القبض " إلى حد ما، ما يعرف فى عصرنا هذا بـ "الاكتئاب"- إلا أنه قد يكون شاملاً لأن الوارد الذى نشأ عنه القبض قد استغرقه تماما؛ وقد يكون غير مستغرق له، فيعبر عنه بأنه "غير مستوف ". وكذلك البسط، فقد يكون "مبسوطا" منشرح الصدر بحيث لا يؤثر فيه شىء من الأشياء، وقد ينشرح صدره لبعض الأشياء دون بعض. وأحيانا لا يعرف سبب القبض؛ فيجد المرء فى قلبه قبضا لا يدرى ما هو سببه، وعليه حينئذ التسليم حتى يمضى ذلك الوقت؛ لأنه لو تكلف نفى هذا القبض بإرادته زاد فى قبضه، بل قد يعد ذلك منه سوء أدب، أما إذا استسلم لما حل به فعن قريب يزول القبض، فالله هو الذى "يقبض ويبسط".
وقد استعاذ شيوخ الصوفية من القبض والبسط- يروى عن "الجنيد" أنه كان يقول: "الخوف من الله يقبضنى، والرجاء فيه يبسطنى، والحقيقة تجمعنى، والحق يفرقنى- إذا قبضنى بالخوف أفنانى عنى، وإذا بسطنى بالرجاء ردّنى علىّ، وإذا جمعنى بالحقيقة أحضرنى، وإذا فرقنى بالحق أشهدنى غيرى، فغطأنى عنه؛ فهو تعالى فى ذلك كله محركى غير ممسكى، وموحشى غير مؤنسى، فأنا بحضورى أذوق طعم وجودى؛ فليته أفنانى عنى فمتعنى، أو غيبنى عنى فروّحنى.
أ. د/ صفوت حامد مبارك