14 - الفصحى

لغة: وصف لمؤنث من " فَصُح " يدل على التفضيل، ومادة "فصح " تدور غالبا حول الخلوص والظهور والبيان، قال الراغب: الفَصْحُ خلوص الشىء مما يشوبه، وأصله فى اللبن. يقال: فَصُح اللبن، وأفصح، فهو مفصح وفصيح إذا تعرى من الرغوة. قال نضلة السلمى:

فلم يخشوا فصاحته عليهم وتحت الرغوةِ اللبن الفصيح

أى اللبن الخالص. ومنه استعير: فَصُح الرجل إذا جادت لغته، وأفصح: تكلم بالعربية. وقال تعالى:

} وأخى هارون هو أفصح منى لساناً {(القصص 34) أى أبين وأظهر.

واصطلاحاً: اختلف العلماء فى المراد بالفصيح، فيرى كثيرون أنه ما كثر استعماله على ألسنة العرب الفصحاء. قال الجاربردى: فإن قلت ما يقصد بالفصيح؟ وبأى شىء يعلم أنه غير فصيح وغيره فصيح؟ قلت: أن يكون اللفظ على ألسنة الفصحاء الموثوق بعربيتهم أدور، واستعمالهم لها أكثر.

وقال السيوطى: والمفهوم من كلام "ثعلب " أن مدار الفصاحة فى الكلمة على كثرة استعمال العرب لها. فإنه قال فى أول "فصيحه ": هذا كتاب اختيار الفصيح مما يجرى فى كلام الناس وكتبهم، فمنه ما فيه لغة واحدة والناس على خلافها، فأخبرنا بصواب ذلك، ومنه ما فيه لغتان وثلاث وأكثر من ذلك، فاخترنا أفصحهن، ومنه ما فيه لغتان كثرتا واستعملتا، فلم تكن إحداهما أكثر من الأخرى، فأخبرنا بهما.

والمراد بالفصحاء الموثوق بعربيتهم هم الذين يستشهد بكلامهم من أهل الجاهلّية، والمخضرمين، ومتقدمى الإسلاميين حتى سنة 150 هـ تقريبا، ويختمون عند الأصمعى بإبراهيم بن هرمة فهو آخر من يحتج بشعره عنده.

ويرى بعض اللغويين أن الفصيح لا يخضع لكثرة الاستعمال ولا قلته، وإنما الفصيح ما أفصح عن المعنى واستقام لفظه على القياس، لا ما كثر استعماله، وليس كل ما ترك الفصحاء استعماله بخطأ، فقد يتركون استعمال الفصيح لاستغنائهم بفصيح آخر، أو لعلة غير ذلك.

وقد جمع البلاغيون بين الرأيين، فذكروا أن فصاحة الكلمة تكون بخلوصها من عيوب ثلاثة: تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفة القياس، فإن كانت الكلمة متنافرة الحروف مثل: "الهعخع" اسم لنبت، أو غريبة مثل: "تكأكأتم " أى اجتمعتم، أو مخالفة للقياس مثل:"الأجلل " فى الأجلّ، فهى غير فصيحة. ثم قالوا:

وعلامة كون الكلمة فصيحة: أن يكون استعمال العرب الموثوق بعربيتهم لها كثيرا، أو أكثر من استعمالهم ما بمعناها.

والفصيح ليس علّى درجة واحدة، فله رتب متفاوته، فمنه الفصيح والأفصح، ونظير ذلك فى علوم الحديث تفاوت رتب الصحيح، ففيها صحيح وأصح. وكلام اللغويين يشهد بذلك.

ففى "ذيل الفصيح ": وتشديخ النخل- أى شق بسره- أفصح من التشقيح. ومجَّحَ العنبُ إذا بلغ- وطاب- أفصح من مَزَجَ- أى اصفر بعد الخضرة.

وفى "الصحاح ": ضربة لازب أفصح من لازم، وبُهت- بضم الباء- أفصح من بَهُت- بفتح الباء وضم الهاء أو كسرها.

" الصحاح: مادة: لزب، ومادة: بهت ".

ونقل السيوطى عن الجمهرة: البُرُّ أفصح من قولهم: القمح والحنطه. ونقل عن ابن خالويه فى شرح الفصيح: قد أجمع الناس جميعا أن اللغة إذا وردت فى القرآن فهى أفصح مما فى غير القرآن لا خلاف فى ذلك.

وخلاف الفصيح إما ضعيف أو منكر أو متروك. فالضعيف ما انحط عن درجة الفصيح، والمنكر أضعف منه وأقل استعمالا بحيث أنكره بعض أئمة اللغة ولم يعرفه، والمتروك ما كان قديما من اللغات ثم ترك واستعمل غيره. وقد ضرب السيوطى أمثلة لكل ذلك.

وأجمع العلماء والرواة أن قريشاً أفصح العرب ألسنة، وأصفاهم لغة، وكانت مع فصاحتها وحسن لغاتها ورقة ألسنتها إذا أتتهم الوفود من العرب تخيروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتهم وأصفى كلامهم، فاجتمع ما تخيروه إلى سلائقهم التى طبعوا عليها فصاروا بذلك أفصح العرب.

وأفصح الخلق على الإطلاق سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وروى أصحاب الغريب عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "أنا أفصح العرب" ورووه أيضا بلفظ: " أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أنى من قريش" وروى البيهقى فى شعب الإيمان عن محمد بن إبراهيم التيمى أن رجلا قال: يا رسول الله، ما أفصحك! ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍فما رأينا الذى هو أعربُ منك. قال: حق لى. فإنما أنزل القرآن على بلسان عربى مبين ".

أ. د/ الشحات أبو ستيت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015