لغة: مصدر "فصُح " بضم الصاد، وهى تنبئ عن الظهور والبيان. يقال: فصُح الصبح، وأفصح إذا ظهر ضوؤه واستبان، وفصح الأعجمى فصاحة إذا جادت لغته، فلا يلحن ولا تشوب لسانه لكنة. وفى القرآن الكريم حكاية عن موسى - عليه السلام -} وأخى هارون هو أفصح منى لسانا {(القصص 34) أى أبين وأظهر منى قولا:
واصطلاحا: مصطلح بلاغى ارتبط فى بداية البحث البلاغى بمصطلح "البلاغة" دون فرق واضح بينهما، حتى جاء "أبو هلال العسكرى" الحسن بن عبد الله بن سهل (ت395 هـ) فتحدث فى كتابه "الصناعتين" عن معناهما، وما بينهما من فروق. وبدأ بالحديث عن البلاغة فبيَّن أنها: إنهاء المعنى إلى قلب السامع فيفهمه، ثم ذكر اختلاف الناس فى الفصاحة على ثلاثة أقوال:
1 - قوم يطلقون الفصاحة على الإظهار والإبانة، وعلى هذا فالفصاحة والبلاغة ترجعان إلى معنى واحد لأن كلا منهما يعنى الإبانة عن المعنى والإظهار له.
2 - وقوم يرون أن الفصاحة تمام آلة البيان، وعلّى هذا فهى تختلف عن البلاغة، حيث تكون مقصورة على اللّفظ، دون الآلة تتعلق باللّفظ دون المعنى، والبلاغة هى إنهاء المعنى إلى القلّب فكأنها مقصورة على المعنى.
3 - وقوم يذهبون إلى أن الكلام لا يسمى فصيحا إلا إذا جمع نعوت الجودة من وضوح المعنى، وسهولة اللفظ، وجودة السبك، والبعد عن الاستكراه والتكلف، واتصف مع ذلك بالفخامة وشدة الجزالة، فإذا جمع نعوت الجودة ولم يكن فيه فخامة وفضل جزالة سُمِّى بليغا، ولم يسم فصيحا.
وجاء "الخفاجى" أبو محمد عبد الله بن محمد بن سنان (ت 466 هـ) فتوسع فى الحديث عن الفصاحة، وفرق بينها وبين البلاغة، فجعل الفصاحة مقصورة على الألفاظ، والبلاغة لا تكون إلا وصفا للألفاظ مع المعانى، فلا توصف الكلمة الواحدة بالبلاغة، وإنما توصف بالفصاحة، وكل كلام بليغ فصيح، وليس كل فصيح بليغا، وجعل للفصاحة شروطا منها ما يوجد فى اللفظة المفردة، ومنها ما يوجد فى الألفاظ المنظومة. فأما التى توجد فى اللفظة المفردة فثمانية شروط:
1 - أن يكون تأليف الكلمة من حروف متباعدة المخارج.
2 - أن يكون لتأليف اللفظة فى السمع حسن ومزية على غيرها.
3 - أن تكون الكلمة غير متوعرة ولا وحشية.
4 - أن تكون الكلمة غير ساقطة ولا عامية.
5 - أن تكون جارية على العرف العربى الصحيح غير شاذة.
6 - ألا تكون قد عبّر بها عن أمر آخر يكره ذكره.
7 - أن تكون معتدلة ليست كثيرة الحروف.
8 - ألا تكون مصغَّرة فى موضع التعظيم ونحوه.
وأما التى توجد فى الألفاظ المؤلفة، فالستة الأولى من شروط الكلمة المفردة، لما لها من علاقة بالكلام المؤلف، وأضاف إليها من الشروط ما يختص بالكلام المنظوم كوضع الألفاظ موضعها، والإيجاز، والوضوح وغير ذلك.
وسار "ابن الأثير" ضياء الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن عبد الكريم (ت 637 هـ) على نهج "الخفاجى، فتوسَّع فى دراسة الفصاحة وناقش بعض شروطه، وأتى بشروط لم يتحدث عنها، وعلى الجملة تعدُّ دراسته شرحا لما ذكره الخفاجى، وتعقيباً على بعض آرائه.
وانتهى الأمر إلى "الخطيب القزوينى" جلال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن (ت 739 هـ) فضبط الحديث عن الفصاحة ونظمه بما لم يسبق إليه، وبيّن أن الفصاحة تقع وصفا للكلمة، وللكلام، وللمتكلم. ففصاحة الكلمة تكون بخلوصها من تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفه القياس اللغوى. وفصاحة الكلام تكون بخلوصه من ضعف التأليف، وتنافر الكلمات، والتعقيد، مع فصاحة مفرداته.
وفصاحة المتكلم هى ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح. ثم تحدث عن البلاغة، وبيّن أنها تقع وصفا للكلام وللمتكلم، ولا تقع وصفا للّكلمة، فبلاغة الكلام هى مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته، وبلاغه المتكلم هى ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ. وعلى هذا فكل بليغ فصيح، وليس كل فصيح بليغا.
وقد شرح الخطيب هذه المقاييس شرحا ضافيا مستعينا بالأمثلة الموضحة لما يقول، فجاءت دراسته للفصاحة والبلاغة خير الدراسات، وملكت زمام الفكر البلاغى وسيطرت عليه.
أ. د/ الشحات أبو ستيت