8 - الفرض

لغة: ما أوجبه الله عزوجل على عباده كما فى الوسيط (1)، وهو ما يثاب الإنسان على فعله ويعاقب تاركه، ويأتى الفرض بمعنى الإلزام أو التقدير كما فى اللسان (2).

واصطلاحا: ذهب جمهور الفقهاء على أنه لا فرق بين الفرض والواجب إلا فى الحج فقط.

وأما الحنفية فإنهم يعرفون الفرض بأنه ما عرف وجوبه بدليل قطعى موجب للعلم والعمل قطعا، أما ما عرف وجوبه بدليل ظنى فإنه يطلق عليه الواجب (3).

وهذا الاختلاف الواقع بين جمهور الفقهاء والحنفية فى المراد بالفرض والواجب خلاف لفظى. لأن الفرض والواجب يدلان على معنى الثبوت والتقدير، وكلاهما يثاب على فعله ويعاقب على تركه.

وينقسم الفرض باعتبار المكلف به إلى فرض عين وفرض كفاية، وثمة فروق بينهما هى:

1 - فرض العين هو ما يطالب به كل إنسان بعينه ولا يجوز أن يؤديه بدلا منه أحد، ولا يسقط عن المكلف إلا بأداء ما فرض عليه كالصلاة والصيام والزكاة والحج.

أما فرض الكفاية فهو مايطلب حصوله دون النظر إلى فاعله، لكنه يسقط بفعل البعض، ويأثم الكل إن تركوه جميعا، إما إذا قام به البعض ولم يقم به الآخر، فإن من فعله يثاب، وأما تاركه فإنه لايعاقب لسقوطه بفعل الغير، وذلك كصلاة الجنائز، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الثابت بقوله تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} آل عمران:104، وكذلك تعليم الحرف وتعلمها فإنها من فروض الكفاية، لأنه ليس مطلوبا من الناس جميعا تعلم حرفة واحدة.

2 - فرض العين لايمكن أن يتحول إلى فرض كفاية، لأنه متعلق بعين الإنسان ذاته.

أما فرض الكفاية فإنه يتحول من كفاية إلى فرض عين، وذلك إذا تعين، مثال ذلك:

صلاة الجنازة فهى فرض كفاية، ولكن إذا لم يوجد غير مسلم واحد فى المكان الذى مات فيه مسلم تحول فرض الكفاية إلى فرض العين، لعدم وجود من يقوم بالفعل سواه (4).

3 - والفقهاء متفقون على أن فرض العين أقوى من فرض الكفاية، وإن اختلفوا فى أفضلية أحدهما على الآخر، لأن من ترك فرض العين أجبرعلى فعله كما فعل سيدنا أبو بكر رضى الله عنه مع مانعى الزكاة فإنه قاتلهم على تركها، وأجمع الصحابة على فعل أبى بكر دون إنكار.

أما فرض الكفاية فإن الإنسان لا يجبر على فعله إلا إذا تعين فى حقه دون غيره (5).

4 - وفرض العين إذا شرع الإنسان فى فعله، فإن الواجب عليه أن يتم هذا الفعل، إلا إذا طرأ عليه عذر يمنعه من إتمام هذا الفعل، كمن صام نهار رمضان، واشتد به المرض فله أن يقطع الصيام بسبب المرض.

أما فرض الكفاية إذا قام به الإنسان، فله أن يقطعه، ولا يستمر فى أدائه، كمن أراد أن يتعلم حرفة معينة ووجد أن غيره قد قام بتعلم هذه الحرفة، فله أن يقطع هذا الفعل لقيام غيره، ولا إثم عليه (6).

5 - نقل العطار فى حاشيته: إن قطع الطواف المفروض لصلاة الجنازة مكروه، لأنه لا يحسن ترك فرض العين لفرض الكفاية، فإذا تزاحم فرض الكفاية وفرض العين فى وقت واحد، وكان الوقت لايسع إلا واحدا منهما، وجب تقديم فرض العين إلا إذا كان له بدل، كما فى سقوط صلاة الجمعة عن إنسان له قريب يمرضه ولايوجد سواه يقوم بتمريضه والنظر فى مصالحه ورعايته.

6 - ونرى أن لفرض الكفاية أمورا تتعلق بها مصالح دينية كصلاة الجنازة وغيرها، ومصالح دنيوية كتعلم الحرف وعلم الطب ونحو ذلك، وهذه الأمور قد قصد الشرع الحكيم تحصيلها لما لها من أثرطيب فى حياة الفرد والمجتمع، وهو فى نفس الوقت لم يكلف آحاد الناس بتحقيق هذه الأمور، وترك الأمر لكل إنسان على حسب رغبته فى تحصيل الخير، وتحقيق النفع العام لنفسه ولأبناء مجتمعه الذى يعيش فيه، وذلك يختلف تماما عن فرض العين الذى كلف الشرع الحكيم كل إنسان بالقيام به، وكلما حقق الإنسان فرض العين وأتى به ممتثلا لأمر ربه عز وجل، كلما نال الأجر والثواب

من الله تعالى، فكان الغرض من فرض العين هو الخضوع والامتثال لأمر رب العالمين، وذلك بخلاف فرض الكفاية فإنه فى الغالب لايتكرر.

د/صبرى عبدالرؤوف محمد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015