7 - الفِراسة

لغة: التثبت والنظر.

واصطلاحاً: عند الصوفية هى مكاشفة اليقين ومعاينة الغيب.

وكانت الفراسة من علوم العرب ومعارفهم فى الجاهلية، ويقال إن المصريين القدماء كانوا على شىء من علم الفراسة بدليل ما قرؤوه فى بعض أوراق البردى المكتوبة فى عصر العائلة الثانية عشرة (فى نحو القرن العشرين قبل الميلاد).

على أن الفراسة لم تدون وتعتبر علما مستقلا قبل ما كتبه أرسطو الفيلسوف اليونانى فى القرن الرابع قبل الميلاد، وعرف العرب الفراسة فى الجاهلية. حيث كانوا يعتقدون أشياء تعد من قبيل الفراسة كالقيافة والعيافة.

وكانت القيافة عندهم صناعة يستدل بها على معرفة أحوال البشر، ويسمونها قيافة البشر، لأن صاحبها ينظر ألوان الناس وجلودهم، والعيافة هى تتبع آثار الأقدام فى الطرق التى تتشكل بشكل القدم واستنتاج صورة أصحابها.

وقد ترجم علماء العرب كتب الفراسة عن اليونان والرومان، ووضعوه ضمن علوم الطب، وألف فيه بعضهم كتبا مستقلة. وذكره آخرون فى جملة ما كتبوه فى علوم الطب، كالرازى، وابن سينا، وابن رشد، والشافعى، وابن العربى وغيرهم.

ومن أشهر ما وصل إلينا من كتب العرب فى علم الفراسة كتاب "السياسة فى علم الفراسة " لأبى عبد الله شمس الدين محمد ابن أبى طالب الأنصارى، (737 هـ)، وفيه أحكام علم الفراسة منسوبة إلى أصحابها، وكتاب "فى علم الفراسة " لمحمد غرس الدين بن غرس الدين بن محمد بن خليل، خطيب الحرم النبوى، وكتاب "البهجة الأنسية فى علم الفراسة الإنسانية" للعارف بالله زين العابدين محمد العمرى المرصفى، وكتاب "مختصر فى علم الفراسة وغيرها".

وانتشر علم الفراسة فى الأجيال المظلمة، ولم يكتف أصحابه بالاستدلال من الملامح على الأخلاق والقوى، ولكنهم صاروا يتنبأون بالغيب، وخلطوا بين الفراسة والسحر، فأصبحت الفراسة من العلوم الخرافية، ثم عادت فى العصر الحديث ولبست ثوبا جديدا على أثر ظهور العلم الحديث، فنظر فى علم الفراسة بعين العلم الطبيعى المبنى على المشاهدة والاختبار.

والفراسة الحقة من مقامات الإيمان، وقد ذكر فى القرآن قوله تعالى:} إن فى ذلك لآيات للمتوسمين {(الحجر 75)، وقوله تعالى:} تعرفهم بسيماهم {(البقرة 273) وهذا من أثر الفراسة الحقة، قد ذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله" (رواه البخارى).

والفراسة نوعان: أولهما يومض فى الفكر بما يشبه الإلهام، وهى فطرية تصقلها التجربة، وهى ما تسمى بالفراسة الشرعية، وهى نور إيمانى ينبسط على القلب حتى يتميز فى نظر صاحبه حال المنظور فيه من غيره ولكل مؤمن منها نصيب، لكن لا يهتدى لحقيقتها إلا من صفا قلبه من الشواغل والشواغب، ومن هنا قيل عنها إنها ملكة لا ينبغ فيها إلا أناس فيهم استعداد خاص لها، ويدل على ذلك أن بعض الناس يمتاز فيها دون الآخرين، وقد تراها فى بعض الناس خلقية دون علم أو درس، لكن لو تعلموا هذا العلم لكانوا من النابغين فيه.

والنوع الثانى من الفراسة: هى صناعة مكتسبة بالخبرة والتدريب، وتقوم على معرفة بواطن الأشخاص بظواهر الحواس، ومن فروعها فراسة الرأس، وفراسة الوجه، وفراسة الكف، وفراسة المشى، وفراسة الخط، وفراسة المقابلة، وهى الحكم على أخلاق الناس بالنظر إلى ما يشابه وجوههم من وجوه الحيوانات، كأن. يقال إن اتساع الصدر يشبه صدر الأسد دليل على الشجاعة وسمى هذا النوع بالفراسة الحكمية.

والفراسة ليست من علم الغيب، فقد أصبح الآن من العلوم الطبيعية التى تدرس أشكال أعضاء الإنسان لتستدل منها على أمزجته، فوجد أن كل جنس من أجناس البشرية له شكل معين من الأعضاء وله مزاج مختلف.

كما أن الفراسة من المعارف الإيمانية، فهى علم نورانى أودعه الله فى قلب عبده المؤمن القريب إليه، المشغول به، والفراسة غير الظن، لأن الظن يخطئ ويصيب حسب طهارة القلب وظلمته، وكثيرا ما يخطئ وقليلا ما يصيب، ولهذا أمرنا الله تعالى باجتناب كثير من الظن، وأخبر أن بعض الظن إثم.

والمتفرس إذا جالس أحدا من الناس اطلع على سره، فهو جاسوس القلب، فالذى ينظر بنور الله ينفذ فى الأشياء، فيرى ما هو مقدر، وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فى قمة الفراسة حيث استخلف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، كما كانت صاحبة موسى - عليه السلام - صاحبة فراسة حين قالت لأبيها} يا أبت استأجره. إن خير من استأجرت القوى الأمين {(القصص 26) ويرى أئمة الصوفية أن الفراسة موهبة دائمة فى جميع الأوقات يحظى بها الولى، لأنه ينظر بنور الله، ولأن قلبه قد تطهر من الهوى، فلم يعد ينظر ببصره وإنما ببصيرته.

أ. د منى أبو زيد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015