لغة: الغيبة أن يذكر الإنسان غيره بما فيه من عيب من غير أن يحوج إلى ذكره، ولا يبعد المعنى الاصطلاحى عن المعنى اللغوى لمفهوم الغيبة.
وهذا ما وضحه الرسول صلى الله عليه وسلم فى قوله: (أتدرون ما الغيبة، قالوا الله ورسوله أعلم قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان فى أخى ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) (1).
ومن هنا قيل: واعلم أن من الصدق ما يقوم مقام الكذب فى القبح والمعرة، ويزيد عليه فى الأذى والمضرة، وهى: الغيبة، والنميمة والسعاية (2).
وقد نهى القرآن عن الغيبة، مصورا ممارستها بما ينفر منها، ويظهر خطر الوقوع فيها فقال: {ولا يغتبا بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه
ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} الحجرات:12.
يعنى إذ كنتم تعافون أكل لحم الميت طبعا، فعافوا الغيبة شرعا لأنها أشد وأخطر.
وقد وضحت السنة القولية والعملية خطر الغيبة والنميمة فى سياق بيان خطر الكلمة التى يتفوه بها الإنسان لا يلقى لها بالا فتجره إلى قاع جهنم، وفى سياق أن ريح الغيبة حين يوجد فى الأمة كريح الجيفة النتنة.
ومن أجل أن يتوقى الإنسان إثم هذه الرذيلة نهت السنة عن حضور مجالس يغتاب فيها المسلم (3)، بل لابد من رد غيبة المسلم وإلا فترك هذه المجالس هو اللائق بالمسلم، فهما لقوله تعالى: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين} القصص:55.
والغيبة محرمة بالإجماع، ولا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته كما فى الجرح والتعديل والنصيحة.
كقوله صلى الله عليه وسلم لما استأذن عليه الرجل الفاجر (ائذنوا له بئس أخو العشيرة) (4).
فالغيبة رذيلة تخالف ما تقرر فى الإسلام من حرمة الإنسان الذى هو أعظم حرمة عند الله من الكعبة، وحرمة دم المسلم وعرضه وماله، كما جاء فى خطبة الوداع وفى أحاديث كثيرة تبين حق المسلم على المسلم، وضرورة
سلامته من لسانه ويده (5).
ثم هى من جهة أخرى تظهر نقصا نفسيا عند مقترفها، فقد قيل: ما وجد عائب إلا كان معيبا، وهى تقطع العلاقات الطيبة، وتفتح باب التعقب والبحث عن العيوب فقد قيل: إن من اغتاب اغتيب ومن عاب عيب، فبحثه عن عيوب الناس يحمل الناس على البحث عن عيوبه (6)
وقيل "لا تعن الناس على عيبك بسوء غيبك".
وقيل "الغيبة رعى اللئام"
فإذا وضح ما أشرنا إليه، كان على المسلم أن ينأى بنفسه من هذا الداء، وأن يتقى الله ويتوب إذا كان قد قارفه والله تواب رحيم.
أ. د/أبواليزيد العجمى