لغة: الغيب كل ما غاب عنك، والغيابة: الأجمة وهى جماع الشجر يغاب فيها، ويسمى المطمئن من الأرض: الغيب لأنه غاب عن البصر، والغيب: كل ما غاب عن العيون، وغاب على الأمر غيبا وغيابا: كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: الغيب كل ما أخبر به القرآن الكريم والرسول (صلى الله عليه وسلم) مما لا تهتدى به العقول من أشراط الساعة، وعذاب القبر، والحشر؛ والنشر، والصراط، والميزان، والجنة، والنار، والملائكة، والجن والكتب السماوية، وقيل: القضاء والقدر.
والغيب أمر خفى لا يدركه الحس، ولا تقتضيه بديهة العقل، وهو قسمان:
1 - قسم لا دليل عليه لا عقليا ولا سمعيا وهذا هو المعنى بقوله تعالى:} وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو {(الأنعام 59). وفى حديث أبى هريرة رضى الله عنه:
قال النبى: (صلى الله عليه وسلم) " فى خمس لا يعلمهن إلا الله تعالى ثم تلا: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير) (لقمان 34). وقوله عز وجل:} يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربى لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت فى السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفى عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون {
(الأعراف 187).
2 - وقسم نصب عليه دليل عقلى أو سمعى، كالصانع وصفاته، واليوم الآخر وأهواله، وهو المراد بالغيب فى قوله تعالى} الذين يؤمنون بالغيب {(البقرة 3). قال القرطبى: وهذا هو الإيمان الشرعى المشار إليه فى حديث جبريل - عليه السلام -، حين قال للنبى (صلى الله عليه وسلم): " فأخبرنى عن الإيمان: قال أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره قال: صدقت " وقال عبد الله بن مسعود: ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ} الذين يؤمنون بالغيب {.
وفى التنزيل} وما كنا غائبين {(الأعراف 7). وقوله} الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون {(الأنبياء49). فهو سبحانه وتعالى غائب عن الأبصار، غير مرئى فى هذه الدار، غير غائب بالنظر والاستدلال، فهم يؤمنون بأن لهم ربا قادرا يجازى على الأعمال، فهم يخشونه فى سرائرهم وخلواتهم التى يغيبون فيها عن الناس، لعلمهم باطلاعه عليهم، وعلى هذا تتفق الآراء ولا تتعارض، والحمد لله، وقيل: بالغيب أى بضمائرهم وقلوبهم بخلاف المنافقين، وهذا قول حسن. قال الشاعر:
وبالغيب آمنا، وقد كان قومنا يصلون للأوثان قبل محمد.
ومن الإيمان بالغيب الإيمان بالملائكة، الذين لا يعلم حقيقتهم إلا الله، فالملائكة ليسوا كالبشر، بل هم عالم آخر قائم بنفسه ومستقل بذاته، ولهم القدرة على أن يتمثلوا بصورة بشرية وغيرها. والإيمان بالملائكة من البر ومن دلائل الصدق والتقوى، وهذا العالم الغيبى لا يدرك بالحس ولا بالعقل، وسبيل معرفته هو الوحى؛ لأنه غيب من الغيوب. (2)
والله سبحانه هو الذى يعلم الغيب وحده. قال تعالى:} فقل إنما الغيب لله فانتظروا إنى معكم من المنتظرين {(يونس 20).
وفى صحيح مسلم عن عائشة رضى الله عنها " قالت: من زعم أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخبر بما يكون فى غد فقد أعظم على الله الفرية " والله تعالى يقول} قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله {(النمل 65). وقال تعالى:} وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما فى البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب مبين {(الأنعام 59).
فالله تعالى عنده علم الغيب، وبيده الطرق الموصلة إليه، لا يملكها إلا هو، فمن شاء إطلاعه عليها أطلعه، ومن شاء حجبه، ولا يكون ذلك إلا من إفاضته على رسله بدليل قوله تعالى:
} وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبى من رسله من يشاء {(آل عمران 179). وقوله تعالى:} عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا. إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا {(الجن 26، 27). ذكر القرطبى: أنه لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه كما فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحى إليهم، وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم.
فالله سبحانه وتعالى جعل حرسا حول هذا الرسول الذى أطلعه على بعض الغيب المتعلق برسالته، وهذا الحرس من الملائكة والشهب لحفظ هذا الغيب من تلاعب الشياطين. وفى قصة سليمان يبين القرآن أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما استمروا فى عملهم سخرة لسليمان: قال تعالى} فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين {(سبأ 14) (3).
وقد نهى النبى (صلى الله عليه وسلم) عن إتيان العراف والكهان، فقال: "من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما، (رواه مسلم). والعراف هو الحازر والمنجم الذى يدعى علم الغيب، وهى من العرافة، وصاحبها عراف، وهو الذى يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعى معرفتها، وقد يعتضد بعض أهل هذا الفن بالزجر والطرق والنجوم، وأسباب معتادة فى ذلك، وكلها يطلق عليها اسم الكهانة، والكهانة: ادعاء علم الغيب. قال أبو عمر بن عبد البر فى كتاب الكافى: من المكاسب المجمع على تحريمها: الربا ومهور البغايا، والسحت، والرشوة، وأخذ الأجرة على النياحة، والغناء، وعلى الكهانة وادعاء الغيب وأخبار السماء.
وقد روى مسلم فى صحيحه عن عائشة- رضى الله عنها- قالت: سأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أناس عن الكهان. فقال: "إنهم ليسوا بشيء" فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانا بشيء فيكون حقا فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنى فيقرها فى أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة.
وروى البخارى عن عائشة أنها سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: " إن الملائكة تنزل فى العنان ـ وهو السحاب ـ فتذكر الأمر قضى فى السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه، فتوحيه إلى الكهان، فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم".
وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى، وينظر فى الكتب، ويزجر بالطير، ممن ارتضاه الله من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه، بل هو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه، وفيه استحلال دمه علىّ هذا التنجيم، ولقد أحسن الشاعر حيث قال:
حكم المنجم أن طالع مولدى يقضى على بميتة الغرق
قل للمنجم صبحة الطوفان هل ولد الجميع بكوكب الغرق
(هيئة التحرير)
1 - لسان العرب، ابن منظور، مادة (غيب) 1/ 654دار صادر بيروت. 1955م، دائرة معارف القرن العشرين 7/ 100 محمد فريد وجدى. دار المعرفة بيروت.
2 - العقائد الإسلامية، للشيخ سيد سابق- ص 113 - دار الكتب الحديثة.
3 - السابق ص 121.