اصطلاحا: هو فن من الفنون المتعلقة بالموسيقى.
ويقوم الغناء على التحكم فى الصوت لإخراجه وفقا لنغمة معينة، وعلى إمكانية التحكم فى النفس، الأمر الذى يسمح بأداء جمل طويلة، والتحكم فى الطبقات الصوتية المختلفة والانتقال بينها دون أن يتم ملاحظة ذلك. كما يقوم فى آن واحد على التوافق بين النغم والإيقاع وتطويع الخطاب.
إنه تعبير تلقائى منتشر بين البشر وأنواع كثيرة من الطيور، والدليل على تلقائيته وعالميته انتشاره بين الأطفال وبين مختلف الطبقات الاجتماعية سواء الأمية منها أو غيرها. والغناء على نغمات الموسيقى كان عادة مألوفة عند قدماء المصريين أثناء قيامهم بالعمل.
وقد تغنى بعض الشعوب بلا آلات موسيقية، إلا أن التاريخ لم يعرف وجود شعب بلا غناء ... ولقد انتشر فن الغناء بين كل الشعوب التى على درجة ما من الحياة المنتظمة. لذلك نجد بعض السمات المشتركة فى موسيقى الشعوب والأمم.
والموسيقى الشرقية قائمة على اللحن أساسا وليس على التوزيع الهارمونى، وعادة ما تكون حرة الإيقاع الذى يعتمد على آلة شديدة الوضوح. والسلم الموسيقى الشرقى قائم على الربع تون، وهو يتكون من 24 درجة بدلا من الاثنتى عشرة درجة التى تقوم عليها الموسيقى الغربية- مما يضاعف من ثرائه وإمكانيات تنوع عطائه الفنى. والزخارف النغمية من السمات الواضحة فيها، ويعد الارتجال التلقائى الإبداعى من أهم معالمها. والمعروف أن آلات النقر والعود والرباب والقيثارة والنقارة عربية الأصل ولها تأثير على أصل الموسيقى الغربية، إذ تأثرت الموسيقى الأسبانية بالموسيقيين العرب حتى أصبح لها مذاق خاص يصعب إغفاله. والثابت تاريخيا أن فن الغناء قد انبثق من فن الشعر وقوافيه. بل لقد نهض صرح الغناء العربى بكل عظمته فى مدة لا تزيد عن أربعين عاما فى القرن الهجرى الأول. وتعد هذه الوثبة سباقة فى تاريخ نشأة الفنون وتطورها. ثم عاش هذا الفن أكثر من ألف ومائتى عام فما يغنيه المطربون فى أيامنا من مقامات ومشتقاتها وإيقاعاتها هى نفس المقامات والأوزان التى ضبطها إسحاق الموصلى ضبطا دقيقا آنذاك، والذى كان المغنى والملحن الذى رسخت قواعد التلحين والغناء بعمله وعلمه.
وترجع أولى خطوات تنظيم أو منهجه فن الغناء إلى زرياب الذى غادر بلاط هارون الرشيد فى مطلع القرن التاسع الميلادى ليقيم بقرطبة فى أسبانيا. وكان زرياب يقسم منهجه فى تعليم فن الغناء إلى ثلاثة أقسام: الإيقاع، واللحن، والحليات.
وقد أنشأ ابن سريج صناعة الضرب بالعود وأدخل نغماتها إلى عروض الشعر العربى مما أدى إلى طفرة هائلة فى مقامات الغناء العربى الذى أصبحت له مدرستان فى آن واحد إحداهما فى مكة والأخرى فى المدينة. والثابت تاريخيا أن فن الغناء العربى المتقن قد بزغ كلمح البرق، وارتقى حتى أصبح يتميز على غناء الأمم والحضارات. بل لقد أصبح الغناء فن العرب الثانى بعد فن الشعر ... وبذلك كان الشعر والغناء معا يمثلان بهجة الحياة لديهم. وصار الغناء وازدهاره دليلا على ازدهار الدولة حتى قال ابن خلدون فى مقدمته: "أول ما ينقطع فى الدولة عند انقطاع العمران صناعة الغناء". وتعد الصحوة الثانية لفن الغناء العربى فى مصر فى منتصف القرن التاسع عشر على يد الشيخ شهاب الدين، بينما يعد الانبعاث الثالث له أيام عبده الحمولى ومحمد عثمان إلى سيد درويش وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب. ويشتمل تراث الغناء العربى القريب على أكثر من ألفى موشح ودور وقصيدة وطقطوقة غير الأغانى المسرحية والشعبية. والصعوبة الأساسية فى الغناء وأدائه لا تكمن فحسب فى ضرورة التمكن من مجالى الصوت والكلمات وإنما يتطلب الأمر الجمع بين جمال الصوت، وجمال النغم، وقوة وتنوع الإيقاع، ومعنى التعبير العاطفى، وقوة ومعنى وجمال وتنوع الأداء بين الآلات.
ويعد أهم كتاب فى الغناء والموسيقى فى المائتى عام الماضية هو كتاب "سفينة الملك ونفيسة الفلك" المعروف باسم "سفينة شهاب" للشيخ شهاب الدين محمد بن إسماعيل (273 1 هـ- 856 1م) ويحتوى هذا الكتاب على مائة من الموشحات بكلماتها ومقاماتها وإيقاعاتها.
أما أول كتاب عن الأصوات والغناء والموسيقى فهو "كتاب النغم " للملحن المغنى يونس الكاتب، الذى شهد أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية، وسبق الأصبهانى بأكثر من مائتى عام.
وقد أثبت الكندى (874 م) أن الغناء فن قائم بذاته وليس فارسيا أو روميا كما قام الإمام أبو حامد الغزالى بتناول قضية تحريم أو إباحة الغناء فى كتاب "أداب السماع والوجد، وهو جزء من كتابه الكبير "إحياء علوم الدين" مستلهما نصوص الآيات والأحاديث، كما استند إلى القياس ليخرج بإباحة الصوت الجميل مدافعا عن حق الإنسان المتدين فى التعبير الفنى، على أن يكون لذلك الفن آدابه وأصوله. فقد أوقف الرسول (صلى الله عليه وسلم) عائشة وراءه لرؤية رجال الحبشة
يغنون ويلعبون، ويعد هذا نصا صريحا فى أن الغناء ليس بحرام، شريطة أن يكون فنا أصيلا وليس مبتذلا. فالغناء الأصيل فطرة وفن وأدب ... فطرة لا تصنع بالطبع والوجدان وإنما يدرك بهما، وفن لأن له نظما وقواعد وأصولا وأدبا، لأنه أبلغ الوسائل فى التعبير عن نجوى الضمير ...
أ. د / زينب عبد العزيز