لغة: القوم الذين يجتمعون على الأمر .. والفرقة من الناس .. وأتباع الرجل وأنصاره .. وهى من المشايعة، أى المطاوعة والمتابعة .. وجمع الشيعة: شيع، وجمع الجمع: أشياع.
واصطلاحا: اشتهرت كلمة الشيعة- للدلالة على الفرقة: أو الفرق- الذين يتولون ويشايعون الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه، وآل بيته، حتى صار مصطلح الشيعة اسما خاصا بهم.
ولقد بدأت شيعة علىّ والتشيع له فى صورة أولية، تمثلت فى الميل إليه، وتمنى تقديمه فى ترتيب تولى الخلافة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ذلك من قبل بعض بنى هاشم، ونفر من الصحابة، يذكر فيهم المقداد بن الأسود، وسلمان الفارسى، وأبو ذر الغفارى .. أما المعيار الفارق الذى يميز الشيعة- كفرقة من الفرق الإسلامية- فلقد تجاوز الميل إلى على التفضيل له وتقديمه فى الترتيب بين الخلفاء الراشدين .. وأصبح هذا المعيار .. فى مذهب الشيعة- هو دعوى وعقيدة أن إمامة على بن أبى طالب والأئمة من بنيه إنما هى "بالنص والوصية والتعيين " أى النص الإلهى والوصية الدينية، التى بلغها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأمة، كما بلغ أصول الدين .. فهى عندهم، المرادة بقول الله سبحانه وتعالى:} يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسا لته {(المائدة 67).
فكل من عدا الشيعة- من الفرق الإسلامية- قد قالوا إن الإمامة والخلافة طريقها الشورى والاختيار والبيعة من الأمة أو نوابها .. بينما انفردت الشيعة- بفرقها المتعددة- بادعاء أن الإمامة سبيلها "النص والوصية والتعيين "، فهى شأن دينى سماوى، وهى من أمهات العقائد الدينية، ولا مدخل للأمة أو الشورى فيها.
والشيعة قد قاسوا " الإمامة" على " النبوة" فجعلوها كالنبوة- اصطفاء إلهيا، لا اختيارا بشريا، وجعلوا للإمام العصمة التى للأنبياء، بل ورفعوا مكانتها على مكانة النبوة، لأن النبوة عندهم، "لطف خاص" أى انتهى دورها - بينما الإمامة " لطف إلهى عام " لأنها مستمرة بأداء رسالة النبوة، بعد انتهاء طور النبوات .. حتى ليقول الإمام آية الله الخمينى - عن علو مقام الأئمة على الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين: "إن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبى مرسل " ..
ولقد انعكست هذه العقيدة، التى ميزت نظرية الإمامة عند الشيعة .. ، والتى ميزت الشيعة عمن عداها من الفرق الإسلامية، انعكست على صفات الإمام عندهم، وعلى السلطات التى اختصوه بها ..
وباستقراء المصادر الأصلية، التى كتبت فى نظرية الإمامة- من قبل مختلف الفرق الإسلامية .. وفى مقدمتها المصادر الشيعية. لا نجد ذكرا ولا مجرد إشارة لعقيدة "النص والوصية" قبل عصر إمامهم السادس- الصادق أبو عبد الله جعفر بن محمد (80 - 48 1 هـ 699 - 765 م) وأقدم عناوين المؤلفات التى كتبت فى الإمامة- والتى أحصاها ابن النديم (438 هـ 1047 مـ) فى (الفهرست) - والتى أشارت إلى فكرة "الوصية" بالإمامة، منسوب إلى عالمهم هشام بن الحكم (190 هـ 805 مـ) .. فمن مؤلفاته (كتاب الوصية والرد على من أنكرها) ..
ويشهد لهذه الحقيقة- حقيقة الظهور المتأخر لعقيدة الشيعة فى "النص والوصية والتعيين "- خلو تاريخ الصراع على الإمامة قبل ذلك التاريخ من أية إشارة للاحتجاج بهذه العقيدة فى ذلك الصراع ..
فلقد اختلف المسلمون حول من يتولى الخلافة- عقب وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى سقيفة بنى ساعدة ولم يذكر أحد من الفرقاء الذين اختلفوا أن هناك نصا وتعيينا لمن يليها .. وتأخرت بيعة على بن أبى طالب لأبى بكر الصديق عدة أشهر. ثم بايع، ولم يؤثر عنه- فى ذلك التاريخ- تعليل لتأخر بيعته بأن هناك نصا يعينه هو للخلافة بدلا من الصديق .. ثم شارك علىّ فى شورى البيعة لكل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، دون أن يشير إلى أن هناك نصا إلهيا ووصية نبوية باختصاصه هو دون غيره، بالإمامة والخلافة وبعد مقتل عثمان، عقدت البيعة بالخلافة لعلى بن أبى طالب، وتلقاها وتولاها هو بالبيعة، ولم يؤثر عنه أنه قال لمبايعيه: لست فى حاجة إلى بيعتكم، لأن هناك نصا على إمامتى، يخرجها عن الشورى والاختيار والبيعة .. بل إن كتاب "نهج البلاغة "، والذى جمعه الشيعة- بواسطة إمامهم "الشريف الرضى" 359 - 406 هـ 970 - 1015 م" - باعتباره خطب ومراسلات وأحاديث وحكم الإمام على بن أبى طالب، لا أثر فيه لإشارة- مجرد إشارة- إلى عقيدة "النص والتعيين " .. الأمر الذى يجعل استقراء التاريخ، واستقراء الفكر من صدر الإسلام إلى عصر جعفر الصادق، شاهدا على أن هذه العقيدة- التى ميزت الشيعة كفرقة، بالمعنى الاصطلاحى للتشيع- لم تظهر قبل تأليف هشام بن الحكم فيها، وتبنى الشيعة للاعتقاد بها منذ ذلك التاريخ.
وإذا كانت الشيعة- على اختلاف فرقهم- معتدلين كانوا أم غلاة- قد اتفقوا على نظرية "النص والوصية والتعيين " الإلهى لإمامة على بن أبى طالب، خليفة ووصيا وإماما بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنهم قد اختلفوا إلى فرق متعددة، بعد هذه العقيدة التى جعلوها أهم عقائد الإيمان الدينى، يَكْفُر- فى نظرهم- من جحدها.
فالشيعة الأثنى عشرية- وهم أغلبية الشيعة المعاصرين- يقولون إن عليا قد أوصى
بالإمامة لابنه الحسن، الذى أوصى بها إلى أخيه الحسين .. وهكذا استمرت فى أبناء على من فاطمة الزهراء حتى إمامهم الثانى عشر ولقد سموا بالاثنى عشرية لقولهم بإمامة هؤلاء الأئمة الاثنى عشر:
1 - أبو الحسن، على بن أبى طالب " المرتضى" .. - 23 ق هـ- 40 هـ 600 - 661 م)
2 - أبو محمد، الحسن بن على- "الزكى" 3 - 50 هـ 624 - 670 م ".
1 - أبو عبد الله، الحسين بن على- "سيد الشهداء"- 4 - 1 6 هـ 625 - 0 68 م
4 - أبو محمد، على بن الحسين- (زين العابدين) - "38 - 94 هـ 658 - 2 71
5 - أبو جعفر، محمد بن على- "الباقر"- 57 - 4 1 اهـ 676 - 732 م.
6 - أبو عبد الله، جعفر بن محمد- "الصادق " 80 - 48 1 هـ 699 - 765 م.
1 - أبو إبراهيم، موسى بن جعفر- "الكاظم " 28 1 - 83 1 هـ 5 4 7 - 799 م
8 - أبو الحسن، على بن موسى- "الرضا"- 53 1 - 3 0 2 هـ 0 77 - 818 م.
2 - أبو جعفر، محمد بن على- "الجواد"- 95 1 - 220 هـ 1 81 - 835 م.
3 - أبو الحسن، على بن محمد- "الهادى"- 4 1 2 - 4 25 هـ 829 - 68 8 م.
11 - أبو محمد، الحسن بن على- "العسكرى" - 232 - 0 36 هـ 846 - 873 م.
12 - أبو القاسم، محمد بن الحسن- " المهد ى" 256 - … هـ 870 - ... م الذى اختفى فى سرداب بمدينة "سامراء"- من أرض العراق ولا يزال فى " الغيبة"- فهو " المهدى"، والذى ينتظرون ظهوره، ويدعون الله أن يعجل فرجه، ليملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا- وعنه ينوب، فى عصور غيبته العلماء المجتهدون.
أما الشيعة "الكيسانية"، فإنهم لم يحصروا الإمامة فى أبناء فاطمة الزهراء، وإنما قالوا إنها انتقلت من الإمام على إلى ابنه محمد بن الحنفية (21 - 81 هـ 642 - 700 م).
أما الإسماعيلية- وهم من الباطنية الغلاة .. حتى فى نظر الاثنى عشرية- ويوجد منهم فى عصرنا: البهرة .. وا لنصيريون .. والدروز - فلقد اتفقوا مع الاثنى عشرية على تسلسل الإمامة من على حتى جعفر الصادق، ثم جعلوها- بعد الصادق- لابنه إسماعيل (143 هـ- 760 م) .. وليس لابنه موسى الكاظم، كما قالت الاثنى عشرية، ثم انفرد الإسماعيلية- منذ إسماعيل- بسلسلة خاصة بهم فى الإمامة.
أما الشيعة الزيدية- أتباع زيد بن على بن الحسين (79 - 22اهـ 698 - 0 74 م) فلقد تميزوا بالاعتدال الذى اقترب بهم من فكر أهل السنة، فقالوا فى عقيدة " النص ": إن النص لم يكن على "ذات، الإمام، وإنما كان على صفاته "، وأن هذا "النص " لم يتعد ثلاثة من هؤلاء الأئمة، هم: على والحسن والحسين .. والإمامة بعدهم لمن يجتمع فيه شروط الإمام من أبناء فاطمة- وهى شروط لا أثر فيها لغلو الفرق الشيعية الأخرى ..
ولأن الشيعة- فيما عدا الزيدية- قد قاسوا " الإمامة " على " النبوة"، وليس على " الإمارة .. والولاية، كما صنع أهل السنة، فلقد أضفوا على الإمام صفات فاقت حتى صفات الأنبياء ... فهو عندهم- معصوم فى كل شيء .. بينما الأنبياء معصومون فيما يبلغونه عن الله- .. وروح القدس "الذى حمل النبى به النبوة، قد انتقل بعد النبى إلى الإمام وهو يعلم- بالعلم اللدنى .. كل ما يريد علمه "بالقوة القدسية الإلهامية، بلا توقف، ولا ترتيب مقدمات ولا تلقين معلم، تنجلى فى نفسه المعلومات كما تنجلى المرئيات فى المرآة الصافية .. " حتى ليستطيع علم كل العلوم والحديث بجميع اللغات، والكتابة بكل الحروف، دون معلم ولا مدرسة ولا كتاب ولا كُتّاب ( .. فالأئمة- كما يقولون- لم يتربوا على أحد، ولم يتعلموا على يد معلم، من مبدأ طفولتهم إلى سن الرشد، حتى القراءة والكتابة. ولم يثبت عن أحدهم أنه دخل الكتاتيب أو تتلمذ على يد أستاذ فى شيء من الأشياء، مع مالهم من منزلة علمية لا تجارى، وما سئلوا عن شيء إلا أجابوا عليه فى وقته، ولم تمر على ألسنتهم كلمة لا أدرى"، ولا تأجيل الجواب إلى المراجعة أو التأمل، أو نحو ذلك .. "! ..
وهى صورة تعلو على صورة الرسل أولى العزم، الذى كان خاتمهم - صلى الله عليه وسلم -، يسأل فينتظر- أحيانا- وحى السماء .. والذى قال لصحابته: "أنتم أعلم بشئون دنياكم " ..
ولعصمة الإمام عند الشيعة .. ولأن كل الأمة- برأيهم- يمكن أن تجتمع على ضلال، كان الإمام وحده مصدر الشريعة، والحجة والقيم حتى على الدين والقرآن ..
أما سلطات الإمام عندهم فهى كل سلطات الرسول، التى هى كل سلطات الله المفوضة إلى الرسول، ولذلك، فإن الراد على الإمام راد على الله تعالى، وهو على حد الشرك بالله .. وللإمام كل الدنيا- وبعبارتهم "فإن الدنيا كلها للإمام، على وجه الملك، وأنه أولى بها من الذين هى فى أيديهم ".
وغير عقيدة الإمامة- بما فيها من "النص والوصية والتعيين " .. وصفات الإمام .. وسلطاته- انفردت الشيعة بعقائد .. منها:
* التقية: أى إظهار الإنسان غير ما يبطن، اتقاء لضرر محقق الوقوع .. وهى عندهم دين، يروون فيه عن جعفر الصادق: التقية دينى ودين آبائى .. ومن لا تقية له لا دين له "!
* والرجعة: وتعنى- عندهم- أن الله سيعيد إلى الحياة، قبل قيام الساعة- وعند قيام المهدى- قوما قد توفاهم، فى صورهم التى كانوا عليها قبل موتهم، وفى مقدمتهم أكثر المظلومين من آل البيت، وأكثر الظالمين لهم وبعد أن يعز المظلومين ويذل الظالمين يتوفاهم ثانية.
ثم، إن الشيعة، بعد ذلك باستثناء الباطنية الغلاة- يتفقون مع العديد من الفرق الإسلامية الأخرى فى ثوابت العقائد الإسلامية وشعائر وعبادات الإسلام .. فهم جزء من الأمة الإسلامية. ولو أنهم جعلوا الإمامة- كما فعل أهل السنة- من الفروع، وليس من أصول وأمهات العقائد، لكان الخلاف بينهم وبين أهل السنة مجرد تنوع فى المذهب الفقهى- المذهب الجعفرى- الذى لا تزيد الاختلافات بينه وبين مذاهب الفقه السنيّة عن الاختلافات التى بين المذاهب السنية ذاتها.
ولأن عقيدة الشيعة، فى الإمامة والإمام، هى " حلم مثالى"، أفرزته معاناة الاضطهاد من قبل السلطة البشرية- فى الدولة الأموية
- فلقد ظل هذا "الحلم "مستعصيا على التطبيق حتى عندما حكم الشيعة فى إيران عقب إسقاط النظام الشاهنشاهى سنة 979ام .. فلقد استمر الحكم بالمؤسسات الشورية، والنظام النيابى، الدستورى وسلطة الأمة والرأى العام .. ولم يطرأ على هذا النظام الديمقراطى- مع المرجعية الإسلامية - إلا منصب "ولاية الفقيه " .. الذى هو محل خلاف بين مراجع الشيعة .. والذى تنبئ المساجلات الدائرة حوله عن أنه فى طريقه إلى الزوال ...
أما التوزيع الجغرافى للشيعة الإمامية، فهو فى إيران والعراق ولبنان وأذربيجان وأفغانستان، والإسماعيلية فى الهند وباكستان وتركيا وسوريا ولبنان.، أما شيعة اليمن فهم من الزيدية.
وإذا كان تعداد الأمة الإسلامية يبلغ الأن مليارا وثلث المليار-0 1,384,800,00 - فإن نسبة أهل السنة تبلغ 90% من هذا التعداد، والباقى شيعة- بفرقها المختلفة- وخوارج وإباضيون؟.
أ. د/ محمد عمارة