18 - الشيطان

لغة: الشطن: مصدر شطنه يشطنه شطنا خالفه عن وجهه ونيته. والشاطن: الخبيث والشيطان: فيعال من شطن إذا بَعُدَ فيمن جعل النون أصلاً، وقولهم الشياطين دليل على ذلك وهو جمع شيطان، وقيل: الشيطان فعلان من شاط يشيط، إذا هلك واحترق، وهذا فيمن جعل النون زائدة (1).

واصطلاحا: الشيطان من نسل إبليس اللعين أبو الشياطين وأصلهم الأول. فبين الجن والشيطان عموم وخصوص من حيث القوة والحيل فكل عات متمرد من الجن والإنس والدواب شيطان.

ولهذا قال الأزهرى: هو من حيث العموم: العصى الأبى الممتلئ شرا ومكرا، أو المتمادى فى الطغيان الممتد إلى العصيان (2).

وقال الزجاج، فى قوله تعالى:} طلعها كأنه رؤوس الشياطين {(الصافات 65) وجهه أن الشيء إذا استقبح شبه بالشياطين، فيقال كأنه وجه شيطان، فالشيطان لا يرى، ولكنه يستشعر أنه أقبح ما يكون من الأشياء. وقدرة الشيطان تكمن فى العوذ والوسوسة، وليس للشيطان قدرة على زوال أحد من مكان إلى مكان. وإنما بالزلل الذى به يكون السبب فى زوال الإنسان من مكان إلى مكان بذنبه (3). ولذلك يقول تعالى} فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه {(البقرة 36). وللشيطان قدرة على التطور والتشكل فى صور الإنس والبهائم، فيتصورون فى صور الحيات، والعقارب، وفى صور الإبل، والبقر، والغنم، والخيل، والبغال، والحمير، وفى صور الطير، وفى صور بنى آدم كما أتى الشيطان قريشا فى صورة (سراقة بن مالك).

وإذا كانت الملائكة جند الله الذين يمثلون الخير والفلاح، فإن إبليس ومن معه من الشياطين هم أعداء الله الذين يمثلون الشر، والفساد، فأعمال الملائكة والشياطين على طرفى النقيض. فالشيطان أعماله تتجه كلها دائما إلى التمرد وإلى التفريق والتمزيق والتخريب والتدمير، وقطع ما أمر الله به أن يوصل، ووصل ما أمر الله به أن يقطع، فما من شرفى الأرض، ولا فساد فى الوجود إلا ولهم به صلة.

وهم الذين زينوا للأمم السابقة سوء العمل، وحسنوا لهم الكفر والمعاصى، ودعوهم إلى تكذيب الرسل ومخالفة أوامر الله، ولا تزال هذه أعمالهم. يقول تعالى: (تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم {، (النحل 63). ولهذا نجد القرآن الكريم قد ذكر لفظ:

(الشياطين، والشيطان، وشيطانا، وشياطينهم) حوالى ثمانيا وثمانين مرة.

وذكر عياض المجاشعى - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال ذات يوم فى خطبته: "ألا إن ربى أمرنى أن أعلمكم ما جهلتم مما علمنى يومى هذا، كل مال نحلته عبدا حلال، وإنى خلقت عبادى حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بى ما لم أنزل به سلطانا ... ".

وفى حديث سبرة بن فاكه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "إن الشيطان قعد لابن آدم بطرق فقعد له بطريق الإسلام فقال أتسلم وتترك دينك ودين آبائك؟ فعصاه وأسلم، تم قعد له بطريق الهجرة، فقال: أتهاجر؟ أتدع أرضك وسماءك؟ فعصاه وهاجر ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال أتجاهد، وهو تلف النفس والمال، فتقاتل، فتقتلى فتنكح نساؤك ويقسم مالك؟ فعصاه وجاهد، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" فمن فعل ذلك، فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة ".

والشيطان لا يتمكن من نفس الإنسان إلا إذا أعرض عن هداية الله، وخرج عن المنهج المرسوم. فإذا أعرض الإنسان عن الطريق المرسوم له عاقبه الله بتمكين الشيطان منه، فيوجهه وجهة الشر والفساد فى كل قول وفى كل فعل:} ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون. حتى إذا جاءنا قال ياليت بينى وبينك بعد المشرقين فبئس القرين. ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم فى العذاب مشتركون {(الزخرف 36 - 39).

إن الشيطان يمثل الشر فى الأرض ويعمل دائبا على تدمير حياة الإنسان بزحزحته عن هداية الله، وإبعاده عن منهج الحق والرشاد.

لهذا حذرنا الله تعالى من كيده، وأخبرنا بعداوته، ودعانا إلى مقاومته بكل وسيلة حتى يضعف سلطانه، وتخف شروره وآثامه، فقال تعالى:} إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير {(فاطر 6). وقد قص علينا من عداوته لأبينا آدم - عليه السلام - ما فيه العظة البالغة، فقد استطاع أن يغريه بالأكل من الشجرة، وأن يخرجه من الجنة بكذبه وخداعه قال تعالى:} يا بنى آدم لايفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون {(الأعراف 27).

وبين تعالى للإنسان ما أخذه الشيطان على نفسه منذ خصومته لآدم، حيث قال تعالى:} قال أرءيتك هذا الذى كرمت على لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا. قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم فى الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا إن عبادى ليس لك عليهم سلطان {

(الإسراء62 - 65).

والإيمان يفيض على النفس إشراقا، ويملأ القلوب نورا، وإذا أشرقت النفس واستنار القلب انمحى كل ما يوسوس به الشيطان. قال تعالى} فإذا قرأت القرأن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه. والذين هم به مشركون {(النحل 98 - 100)

إلا أن نوازع الخير ودواعيه تيقظت فى قلب آدم وحواء، وعلما أنه خدعهما فتغلبت هذه النوازع والدواعى على وسوسة الشيطان وحظه من النفس، فتابا إلى الله، وأنابا قائلين:} ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين {

(الأعراف 23).

والإنسان بمقتضى خلافته عن الله فى الأرض فى معركة مع الشيطان الذى يحاول أن يصرفه عن تنمية قواه العليا من جانب، ويضعف من روح المقاومة بطريق الخداع والإغراء والتزيين من جانب آخر. ومن ثم كان واجبا على الإنسان أن يحذر مكايد الشيطان ويعرف أساليبه التى يتخذها، ليصرف الإنسان عن وظيفته الأولى فى هذه الحياة، فإذا زلت به قدم، أو تورط فى الإثم، أو جانب صوابا، أو مارس شرا، أو اقترف معصية، أو ارتكب فجورا فأمامه السبيل الذى رسمه له أبوه آدم من التوبة، واستئناف حياة أزكى وأطهر.

والشيطان ينتهز فرصة ضعف النفس ومرضها فيهجم عليها محاولا إفسادها.

ولا خلاص منه إلا إذا صحت النفس من أمراضها، التى هى المداخل الحقيقية للشيطان، وأمراض النفس كثيرة ومتعددة منها: (الضعف واليأس، القنوط، الفخر، الظلم، العجلة، البخل، الريبة، الغفلة، الكذب، الجزع، حب المال، الافتتان بالدنيا .. إلخ).

فحينما يكون ذكر الله والاستعاذة به من الشيطان، والتبرى من الحول والقوة، وإسلام الوجه لقيوم السموات والأرض مما يقوى من معنويات الإنسان ويرفع من مستواه الروحى، حتى يصل الإنسان إلى درجة يخاف فيها الشيطان منه كما روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر: "يابن الخطاب ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك " (رواه البخارى ومسلم)

ومن الأشياء التى تدل على قدرة الله عز وجل على خلق المتضادات والمتقابلات. خلق الشيطان رمز الشر على الأرض فى مقابل الملائكة رمز الخير، كذلك ظهور أسمائه القهرية فى مقابل أسمائه المتضمنة عفوه ومغفرته وقد أشار النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا بقوله: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم " (رواه مسلم).

(هيئه التحرير)

1 - لسان العرب لابن منظور، مادة (شطن) 13/ 238 طبعة دار صادر بيروت.

2 - الكليات لأبى البقاء 3/ 55،82.

3 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبى 1/ 311، 312 طبعة دار الثقافة، القاهرة، 1981 م.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015