22 - السياحة

لغة: "الذهاب فى الأرض للعبادة والترهب "، ومنه "المسيح ابن مريم - عليه السلام - الذى "كان يذهب فى الأرض، فأينما أدركه الليل صفَّ قدميه، وصلى حتى الصباح " (1) (لسان العرب، مادة: س. ى، والسياحة بهذا المعنى غيرمفضلة فى شريعة الإسلام بل ربما ورد النهى عنها أخذاً من حديث أبى أمامة: أن رجلاً قال: يارسول الله ائذن لى فى السياحة، فقال: " إن سياحة أمتى الجهاد فى سبيل الله" وأيضا قياساً على منع التبتل فى حديث ابن مظعون، وجمهور المفسرين على أن المراد من " السائحين " فى قوله تعالى: {التائبون العابدون الحامدون السائحون} (التوبة 112) هم الصائمون، ويقول الزّجّاج: "السائحون فى قول أهل التفسيرواللغة جميعا: الصائمون ". وفيما يقول القرطبى: هم الصائمون أو المهاجرون أو المسافرون لطلب العلم، أو الجائلون بأفكارهم فى عالم الملكوت.

والمفسرون- من شيوخ التصوف كالقشيرى وابن عجيبة- يُوَسَّعون مفهوم "السياحة" فى الآية السابقة ليشمل ما قاله غيرهم من المفسرين، وليشمل السفر من أجل زيارة المشايخ، وأيضا السياحة بالمعنى الصوفى، وهى "السفر فى الأرض على جهة الاعتبار طلبا للاستبصار"، ويقصدون بها سياحة السالك ومفارقته الأوطان لتصفية القلب بالعبادة والذكر والتفكر. ومُجمل ما تشير إليه مصنفاتهم فى هذه المسألة أنهم- غالبا- ما يتكلمون عن السياحة فى باب السفر" وأسراره، ولعل اختيارهم لعنوان "السفر" بدلا من السياحة" راجع إلى الآثار الواردة فى الترغيب عنها، لكن تاريخ الصوفية يطلعنا على "شيوخ " اختاروا السياحة منهجا ثابتا فى تحصيل علومهم وأذواقهم الإلهية. ويُعدّ "ذو النون المصرى" (ت 245 هـ- تقريبا) من أوائل من مارس السياحة بهذا المعنى، وسيرته حافلة بلقاءات- يصعب حصرها- مع الزهاد والعُبّاد والوالهين من المنقطعين فى الزوايا والبرارى والجبّانات والمغارات ورؤوس الجبال، من القيروان غربا إلى مكة شرقا، ومن اليمن جنوبا إلى جبال لبنان وجبال أنطاكية شمالا، حتى قال فيه ابن عريى: "لم أرَ فى الجماعة أكثر سياحة واجتماعا بأولياء الله من ذى النون المصرى".

لكننا نرى تقييما آخر للسياحة عند الشيخ الأكبر: محيى الدين بن عربى، الذى يعلل رغبة البعض من أهل الله فى السياحة بسبب "الاٌنس " الحاصل من مخالطة الشبيه " من الناس. وهو ميل طبيعى تصعب مقاومته. وهذا الأُنس فى حقيقته ليس الا وحشة من الحق.

والسياحة هى الوسيلة التى يعتدل بها الآمر ليكون الأُنس بالله والوحشة من الخلق، ورغم ان الشيخ يعدَّد كثيرا من فضائل السياحة الصوفية، إلا أنه يفضل السكون والاستقرار على السياحة وقطع المسافات. ويستلهم فى مذهبه هذا قوله تعالى: {وهو معكم أين ما كنتم} (الحديد 4)، ويرى ان معنى التوكل هو السكون تحت مجارى الأقدار، والسياحة مبادرة أو مبادأة قادحة فى تجريد التوكل، ويقول: إنه ذاق الأمرين. وو صل إلى أن سكون الاستقرار أقوى فى تحصيل المعارف الالهية من السياحة، وأن " من رَّجح ترك السفر فقد أصاب فى النظر، وقَصَد عَيْن الخبر" وفى النهاية يتساءل: إذا كان الله جليس الذاكر فإلى أين يرحل؟

أ. د/ أحمد الطيب

1 - لسان العرب، لابن منظور، مادة (سيح) دار صادر بيروت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015