9 - السَّكينة

لغةً: فعيلة من السكون. ومن معانيها. الطمأنينة والاستقرار، والهدوء والوداعة والأمن، والرزانة والوقار.

واصطلاحاً: فقد أخبر الله- عز وجل فى القرآن الكريم عن إنزالها على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى المؤمنين فى مواضع القلق والاضطراب كيوم الهجرة، إذ هو وصاحبه فى الغار، والعدوُّ فوق رؤوسهم، لو نظر أحدهم إلى ما تحت قدميه لرآهما، وكيوم حنين، حين ولوا مدبرين من شدة بأس الكفار ... وكيوم الحديبية، حين اضطربت قلوبهم من تحكم الكفار عليهم، ودخولهم تحت شروطهم التى لا تحتملها النفوس ... ".

ومن مواريث هذه السَّكينة أنها إذا نزلت على القلب أو نزلت فيه فإنه يطمئن بها، ويزول عنه ما يجده من الهِّم والحزن، أو ما يشعر به من الاضطراب والخوف والفزع. وفى ذلك يقول الله تعالى: {لقد رضى الله عن المؤمنين، إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم مافى قلوبهم فأنزل السكينة عليهم، وأثابهم فتحا قريبا} (الفتح 18).

وبهذه السكينة التى تتنزل على القلب يزداد إيمانا وثقة ويقينا. وفى هذا المعنى يقول الله تعالى: {هو الذى أتزل السكينة فى قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليما حكيما} (الفتح4) ويؤدى ذلك كله إلى انشراح القلب وانفساحه، ويصبح مُهَيَّأ لنزول الإلهامات الإلهية عليه، فيلهمه الله الحق والفرقان، ويمتلئ القلب حكمة ونورا، وينطق لسانه بالخير والصواب وقد وصف بمثل ذلك عمر

ابن الخطاب - رضي الله عنه - الذى قال عنه على بن أبى طالب - رضي الله عنه - " ... وما نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر ... " (مسند أحمد1/ 106).

وعُمَر هو الذى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه " لقد كان فيمن قبلكم من الأمم مُحَدَّثون، فإن يكن فى أمتى أحد فإنه عمر" (رواه البخارى4/ 200) وكذلك قال عنه - صلى الله عليه وسلم - " إن الله تعالى جعل الحق على لسان عمروقلبه" (مسند أحمد 2/ 53).

وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوصى بالسكينة، وخاصة فى المواطن التى تتطلب حضور القلب وخشوعه، وجمع الخواطر والهمة. كالذهاب إلى الصلاة، وعند أداء مناسك الحج، والقيام بأعباء الجهاد، ونحو ذلك من العبادات، وكان الحادى ينشد بين يديه، فى منصرفه من خيبر:

والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا ... وثبَّت الأقدام إن لاقينا

وبيّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن السكينة تتنزل عند قراءة القرآن والاجتماع على مدارسته، كما ذكر أنها من أعظم هدايا الله تعالى إلى عبده المؤمن. ومما جاء فى ذلك قوله "ما ازداد عبد علما إلا ازداد قصدا، ولا قلد الله عبدا قلادة خيرا من سكينة، (سنن الدرامى: 1/ 107).

وقد عنى الصوفية بالحديث عن السكينة، وجعلوها منزلا من منازل السلوك إلى الله تعالى. وهى- عندهم- من منازل المواهب لا من منازل المكاسب وعرِّفها الحكيم الترمذى بأنها: سكون القلب وطمأنينته إلى الواردات التى من الله لأوليائه، وهى دليل الولاية، كما أن المعجزات دليل النبوة وعرفها القاشانى بأنها: عبارة عما تجده. النفس من الطمأنينة عند نزول الغيب. وأضاف الجرجاني إلى ذلك أنها نور فى القلب يسكن. إلى شاهده، أنها من مبادئ عين اليقين.

وكان الهروى الأنصارى من أكثرهم حديثا عنها، وبيانا لأقسامها ومراتبها فى كتابه

"منازل السائرين ".

أ. د/ عبد الحميد مدكور

طور بواسطة نورين ميديا © 2015