السفسطة اتجاه فكرى نشأ فى بلاد اليونان، قبل الميلاد بخمسة قرون نتيجة العجز الذى أصاب الفلسفة والدين والسياسة يومئذ ..
لقد عجزت الفلسفة عن تفسير الكون، وتعددت الآراء فى النشأة الأولى هل هى من ماء أو تراب، أو هواء أو نار .. إلخ.
وعجز الدين الوثنى السائد فى بلاد اليونان عن تلبية الفطرة الإنسانية، وكان لكل ظاهرة كونية أو إنسانية إله يعبد ويقدس من دون الله تعالى.
وعجزت السياسة، فنشأت الحروب والمنازعات بين بلاد اليونان.
والسفسطة كانت تعنى- فى ابتداء الأمر- تعلم قواعد البلاغة ودراسة التاريخ وفنون الطبيعة ومعرفة الحقوق والواجبات، ثم اقتصرت على فن الجدل والحرص على الغلبة دون التزام بالحق والفضيلة، وأصبحت مرادفة لكلمتى التضليل والخداع.
ومن أشهر زعمائهم فى العصر اليونانى القديم- بروتاجوراس (480 ق م- 410 ق م)، ومحور فلسفته أن الإنسان مقياس كل شيء، وهو الذى يقرر وجود الأشياء أو عدم وجودها.
وجاء بعده "جورجياس " وحاول أن يثبت ثلاث قضايا خطيرة، هى:
1 - لاشيء موجود لأنه متغير.
2 - وإن وجد شيء لا يمكن أن يعلم لأن الحواس مختلفة.
3 - وإذا أمكن أن يعرف فلا يمكن إيصاله للغير لأن طريق الحواس ذاتى.
وقد ناقش سقراط (ت 399 ق م) السوفسطائيين بمنهجه فى التهكم والتوليد الذى أراد به الوصول إلى حقائق الأشياء. وتابع الخطو أفلاطون (ت 347 ق م) وقاد حملة واسعة على الفكر السوفسطائى، وألف مجموعة محاورات مثل: محاورة بروتاجوراس، ومحاورة جورجياس، ومحاورة هيبياس، ومحاورة السوفسطائى ..
وظهرت السفسطة فى عصور تالية، وعرفت باسم حركة الشكاك، ووقف الفيلسوف الفرنسى مونتانى (1532 - 1592م) على أعتاب الفلسفة الأوروبية الحديثة ليعلن أن العلم القديم قد سقط، فلِمَ لا يسقط العلم الجديد كذلك وإذا كان الجهل المطبق بداية العلم فإن جهل العالم هو النهاية، وآن آلات العلم عاجزة عن توفير اليقين، وستظل كذلك وقد جعل الإمام ابن حزم الأندلسى (384 - 456 هـ) السوفسطائيين ثلاثة أصناف:
1 - صنف نفى الحقائق جملة.
2 - صنف شكُّوا فيها.
3 - صنف قالوا هى حق عند مَنْ عنده حق، وهى باطل عند مَنْ هى عنده باطل .. ورد عليهم ابن حزم بأن حس العقل شاهد بالفرق بين ما يخيل إلى النائم وبين ما يدركه المستيقظ، وخاطبهم قائلا: قولكم أنه لا حقيقة للأشياء أحق هو أم باطل؟! فإن قالوا هو حق أثبتوا حقيقة ما، وإن قالوا ليس هو حقا أقروا ببطلان قولهم، وكفّوا خصومهم أمرهم. ونحن نؤكد أن الحياة قائمة على حقائق الأشياء المعلومة بيقين، وأن العقل الإذسانى فى كفالة الشرع الصحيح جدير بكشف النواميس وممارسة التجربة واستنتاج الحقائق عمارة للكون وتواصلا للحضارات.
أ. د/ محمد سيد أحمد المسير