لغة: ما يرسل، والرسالة: الخطاب، والرسالة: كتاب يشتمل على قليل من المسائل تكون فى موضوع واحد، ورسالة الرسول: ما أُمِرَ بتبليغه عن الله، ودعوته الناس إلى ما أوحى إليه- كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا: هى اختصاص العبد بسماع وحى الله تعالى بحكم شرعى تكليفى، وأمر بتبليغه.
وهى تختلف عن النبوة التى تعنى اختصاص العبد بسماع وحى الله بحكم شرعى تكليفى سواء أمر بتبليغه أم لا.
وترجع حاجة البشر إلى الرسالة:
(أ) التعريف بحقائق الدين وأحكام الشريعة، ليقوم الناس بالعدل كقوله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} (الحديد 35).
(ب) قطع الحجة على الناس لقوله تعالى: {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} (النساء165).
(جـ) إن العقل وحده فى قصور عن إدراك المعرفة المتصلة برب العالمين، كما أنه يضل تحت ضغط تأثير ودافع التقليد.
(د) حاجة الإنسان للرسل؛ لكى يتم التوفيق بينه وبين الكون المسبح لربه. قال تعالى: {تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شىء إلا يسبح بحمده} (الإسراء44).
ولقد دعا الإسلام إلى الإيمان بجميع الرسل دون التفريق بينهم، فمن كفر بواحد كمن كفر بالجميع على حد سواء {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا. أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا} (النساء150 - 151).
وهم من الكثرة، بحيث لا يعد عددهم، ولا يحصى ولا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى، وإن كان القرآن ذكر ما يربو على خمسة وعشرين رسولا، إلا أنه خاطب رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بقوله: {ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك} (النساء164). وهؤلاء الرسل والأنبياء الذين ذكروا فى القرآن يجب الإيمان برسالتهم ونبوتهم تفصيلا، بمعنى أن الإنسان لو عرض عليه واحد منهم، لا ينكر نبوته ولا رسالته إن كان رسولا، فمن أنكر نبوة واحد منهم، أو أنكر رسالة من بعث منهم برسالة كفر. وأما الأنبياء والرسل الذين لم يقصهم القرآن علينا، فقد أمرنا أن نؤمن بهم إجمالا، وليس لنا أن نقول برسالة أحد من البشر أو نبوته ما دام القرآن لم يذكره فى عدد الأنبياء والرسل، ولم يخبرنا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ومن لوازم الإيمان بالرسل وجوب الاعتقاد بعلو فطرتهم وصحة عقولهم وصدقهم فى أقوالهم وأمانتهم فى تبليغ ما عهد إليهم أن يبلغوه.
ورسل الله هم القدوة للناس فى زمانهم والكواكب الساطعة فى الليالى المظلمة، بهم يهتدون، وبأخلاقهم يتأسون، وبأفعالهم يقتدون. قال تعالى: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} (الأنبياء73). وقوله: {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر وذكر الله كثيرا} (الأحزاب 21).
ولقد اقتضت حكمة الله وسنته فى البشرية أن يرسل إلى كل أمة رسولا بلسان قومه. قال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} (إبراهيم 4). وقوله: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} (فاطر 24).
ولقد علم الله أنبياءه ورسله أسماءه وصفاته، وحدد ذلك تحديدا دقيقا؛ أصبح على المسلم بعدها أن يتبع ولا يبتدع، صحيح يمكن أن نستخلص بعض صفات الخالق سبحانه وتعالى بعقولنا بدون رسل بعد أن نرى آثارها فى أرجاء الكون، فمثلا آثار الخلق تشهد أنها من صنع الخالق، وآثار الحكمة تشهد أنها من صنع الحكيم. وهناك قاعدة تقول إن الآثار تدل على الأسماء، والأسماء تدل على الصفات، والصفات تدل على الذات، فالكون من آثار الله، وحوادثه من آثار الله كذلك. قال تعالى: {فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيى الأرض بعد موتها} (الروم 50). ولكن مع هذا يستمر عجزنا عن الإحاطة بهذه الصفات إلا بما أخبرنا به الوحى، فلا يستطيع الإنسان أن يحدد تحديدا كاملا، أو يحصى إحصاء شاملا، لا دخل فيه ولا دخن، وإلا لوصفنا الله بغير صفاته، وسميناه بغير أسمائه. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ومن الشروط الشرعية للرسول والنبى:
1 - البشرية، فليس هناك رسول أو نبى من الجن أو الملائكة، قال تعالى: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون} (الأنعام 9).
2 - الحرية، فليس هناك رسول أو نبى من العبيد؛ لأن العبودية تمنعه من نشر دعوته والجهاد فى سبيلها.
3 - الذكورة، فليس هناك نبى أو رسول أنثى، لأن هذا الميدان لا تصلح له المرآة قال تعالى: {وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحى إليهم} (الأنبياء 7).
4 - السلامة من المنفر، حتى لا يبتعد الناس عنه ويتفرقون، سواء كان هذا المنفر مرضا معديا أو خَلقيا أو خُلقيا بأن يكون متصفا بمرذول الصفات أو الفظاظة. قال تعالى: {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر} (آل عمران 159).
ووظائف الرسل:
(أ) تلقى الوحى والعلم والدين عن الله سبحانه وتعالى على الوجه والكيفية التى يختارها الله تعالى، وتبليغ هذا الوحى يكون المهمة العظمى لتعريف الخلق بالخالق والإيمان بوحدانيته، وتخصيص العبادة له دون سواه قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} (الأنبياء25).
(ب) تبليغ أوامر الله عز وجل إلى البشر.
(جـ) شرح كتاب الله وتبيينه للناس. قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل 44).
(د) مناقشة من أرسلوا إليهم ومجادلتهم وإزالة الشبهات والإجابة على جميع التساؤلات برفق وحكمة. قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن} (النحل 125).
(هـ) إخراج الناس من الظلمات إلى النور وإرشاد الناس إلى الطريق المستقيم.
(و) التذكير بالنشأة والمصير وتعريف الناس بما بعد الموت من شدائد وأهوال.
(ز) الشهادة على الأمة أنه بلغ إليهم الرسالة وأدى الأمانة وقدم واجب النصيحة.
(حـ) قيادة الأمة وسياستها الدينية والدنيوية، فالرسول فى قومه قائدهم وزعيمهم وحاكمهم ومدبر سياستهم الدينية والدنيوية.
(ط) تربية أتباعهم تربية عالية ربانية تليق بإيمانهم بربهم وتعدهم للشرف العظيم الذى ينتظرهم فى الآخرة.
(ى) يضعون للبشر بأمر الله حدودا عامة يسهل عليهم أن يردوا إليها أعمالهم كاحترام الدماء البشرية إلا بحق مع بيان الحق الذى يهدر.
(هيئة التحرير)
1 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، 1/ 356 وما بعدها- دار المعارف، ط 3، القاهرة.