3 - مقدمة

للأستاذ الدكتور/ محمود حمدي زقزوق

وزير الأوقاف

فى شهر رمضان 1417هـ الموافق فبراير 1996م تم بعون الله إنشاء " مركز الدراسات والموسوعات الإسلامية" فى إطار المجلس الأعلى للشئون الإسلامية للقيام بمهمتين أساسيتين:

أولاهما: تتبع ما ينشر عن الإسلام فى الخارج باللغات الأجنبية وإعداد البحوث والدراسات باللغات ذاتها للرد العلمى عليها.

ثانيهما: إصدار موسوعات إسلامية متخصصة بالعربية وباللغات الأجنبية.

أما عن المهمة الأولى: فقد تم تشكيل لجنة متخصصة دائمة تعكف على رصد ما يبث عن الإسلام من معلومات على شبكة "الإنترنت الدولية" وإعداد البرامج المناسبة لتصحيح ما يحتاج من هذه المعلومات إلى تصويب، وذلك بالإضافة إلى التعريف بالإسلام بوصفه عقيدة وشريعة وأخلاقا وحضارة. ويقوم المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ببث ذلك كله على موقع المجلس على شبكة الإنترنت الذى تم إنشاؤه فى 30/ 6/ 1998 م وأما عن المهمة الثانية فهى موضوع حديثنا فى هذه المقدمة.

مدى الحاجة إلى موسوعات إسلامية متخصصة:

من الملاحظ أن الساحة الفكرية الإسلامية تزدحم بالكثير من الضباب حول العديد من المصطلحات الإسلامية، الأمر الذى أدى إلى جدل عنيف فى الماضى والحاضر تقطعت به وشائج الوحدة الفكرية والثقافية، بل والدينية بين أبناء الأمة التى وصفها القرآن الكريم بقوله: {إن هذه أمتكم أمة واحدة} (الأنبياء 92)

وقد أدت الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية التى مرت بالأمة الإسلامية منذ الفتنة الكبرى - التى يوصف بها ما كان من صراع مسلح بين على ومعاوية - رضى الله عنهما - إلى ظهور العديد من الفرق الإسلامية المتناحرة فى فترات مختلفة من تاريخ الأمة الإسلامية.

وتحاول بعض الفئات المعاصرة أن تعيد خلافات الماضى رافعة شعارات مضللة، ومفاهيم مغلوطة، وأفكارا خاطئة، الأمر الذى أدى إلى حدوث نوع من البلبلة الفكرية لدى الكثيرين.

وعلى الرغم من هذه الصورة السلبية فإن الأمة الإسلامية قد شهدت على الجانب الآخر صفحات مشرقة عكست عظمة الإسلام فى تعاليمه السامية ومبادئه الراقية التى قدمت للإنسانية أعظم حضارة عرفها الإنسان.

من هنا أراد المجلس الأعلى للشئون الإسلامية أن يسهم فى تجلية المصطلحات الإسلامية، وإزالة الغبار الذى علق بالكثير منها من أجل القضاء على البلبلة الفكرية التى أحدثتها الصراعات المختلفة. وذلك حماية للمسلمين من الاغترار بالشعارات المضللة، والدعايات الكاذبة التى يقصد من ورائها جر الأمة إلى متاهات لا يعلم إلا الله مدى ما تخبئه لها من مصير مظلم، فى وقت تحتاج فيه الأمة الإسلامية إلى تجنيد كل إمكاناتها للحاق بركب العصر، واحتلال مكانها اللائق بها على خريطة عالمنا المعاصر.

وإذا كنا نحرص على تقديم الجانب المشرق الذى قدمته الحضارة الإسلامية، بهدف حفز الهمم للانطلاق مرة أخرى على خُطى الأسلاف العظام فإن ذلك لا يعنى بأى حال من الأحوال أن نغض الطرف عن الجوانب السلبية التى شابت مسيرة هذه الحضارة فى بعض الأحيان، وذلك حتى نتجنب الوقوع فيها مرة أخرى.

طريقتنا فى إعداد الموسوعة:

ونحن إذ نقدم ذلك كله، فإنما نقدمه بأسلوب علمى وبموضوعية متجردة، بعيدة عن التحيز أوالتعصب أو الميل الدعائى. فنحن على يقين من أن الإسلام فى عالم اليوم لا يمكن أن يخدم إلا عن طريق العلم. فالإسلام كدين لا يخشى عليه من أى تيارات مناوئة مهما كانت قوتها، طالما وجد هذا الدين من بين أبنائه من يفهمه فهما سليما فى أصوله ومبادئه، ويحسن عرضه بالأسلوب العلمى السليم.

وعندما فكر المجلس فى إعداد "الموسوعة الإسلامية" كان أمامه خياران: إما أن يسير على خُطى الجهات التى سبقتنا فى إعداد مثل هذه الموسوعات التى يستغرق إعدادها جيلا أو جيلين حتى تكتمل، ويجد فيها القارئ ضالته المنشودة وبذلك نكرر ما فعله غيرنا.

وإمّا أن نلجأ إلى خيار آخر: هو أن نقوم بحصر جوانب الفكر والحضارة الإسلامية، ونخرج فى كل فرع منها مجلدا خاصا مكتملا يلبى حاجة القارئ فى وقت معقول.

وقد آثرنا الخيار الثانى. وتم حصر مجالات الفكر الإسلامى فى خمسة عشر مجالا على النحو التالى: العقيدة- القرآن وعلومه- السيرة والسنة- التشريع الإسلامى- الأخلاق الإسلامية - الحضارة الإسلامية ـ الفلسفة الإسلامية - التصوف الإسلامى- الفرق الإسلامية- القضايا المعاصرة- تاريخ العلوم- الفكر السياسى الإسلامى- التراجم- الأدب الإسلامى- التاريخ الإسلامى.

وذلك بالإضافة إلى مجلد تمهيدى يشتمل على "المفاهيم والمصطلحات الإسلامية العامة".

الموسوعة الإسلامية العامة:

وهكذا استقر الرأى على أن نبدأ بمجلد يحمل عنوان: (الموسوعة الإسلامية العامة)، وتم تشكيل لجنة للإعداد لها من السادة الأساتذة العلماء. المذكورة أسماؤهم بعد هذه المقدمة. وقامت اللجنة باقتراح عدد من المداخل، وتم استكتاب طائفة كبيرة من العلماء والمفكرين زاد عددهم على المائة كما هو وارد فى الصفحات التالية. وشكلت لجنة للتحرير من الباحثين بالمجلس حتى خرج هذا العمل الذى بين أيدينا اليوم ليمثل الباكورة التمهيدية لتلك الموسوعة المأمولة فى أجزائها الخمسة عشر التى ستصدر تباعا إن شاء الله تعالى.

وفى تخطيط المجلس أن يترجم كل مجلد عقب الفراغ منه إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، حتى يعم النفع بهذه الموسوعات المسلمين وغير المسلمين ممن لديهم اهتمام بالتعرف على الإسلام وحضارته وتاريخه وآدابه وكل ما يتعلق به فى مشارق الأرض ومغاربها.

ويعكس هذا العمل وجهة النظر الإسلامية ليكون موازيا لما أنجزه المستشرقون فى دائرة المعارف الإسلامية، والتى تعكس تصوراتهم. وبذلك نكون قد أحدثنا نوعا من التوازن فى هذا المجال، حيث إن التصور الإسلامى فى مجال الموسوعات الحديثة مازال غائبا عن ساحة الفكر الغربى.

وقد كان ذلك أحد الدوافع التى حفزتنا للقيام بهذا المشروع الكبير، على الرغم مما ندركه من ضخامة العمل وعظم المسئولية، ولكن جهود الزملاء من العلماء والباحثين وحماسهم لهذا المشروع شجعنا على المضى فيه. حتى ظهر الإصدار الأول تحت عنوان (موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة) التى ضمت (314) مصطلحا فقط.

أما الموسوعة التى بين أيدينا الآن فتضم ما يقرب من (770) مادة علمية (*) بينها مصطلحات الإصدار الأول.

وإذ نقدم اليوم باكورة إنتاج المجلس الأعلى للشئون الإسلامية من هذا المشروع الطموح فإننا نتوجه بالرجاء إلى العلماء والباحثين فى مجال الموسوعات والدراسات الإسلامية أن يتفضلوا مشكورين بإمدادنا بما قد يكون لديهم من ملاحظات على هذا العمل العلمى، لمراعاة ذلك فى الطبعة الثانية إن شاء الله. فهدفنا فى النهاية هو أن نقدم للقارئ الكريم عملا علميا دقيقا ومشرفا ينتفع به الناس.

ولا يفوتنا أن نتقدم بخالص الشكر والتقدير للسادة العلماء الذين أسهموا فى التخطيط، وجمع المصطلحات وتصنيفها، وللسادة العلماء الذين أسهموا بالكتابة فى هذا المجلد، ونسأل الله أن يجزيهم جميعا خير الجزاء، كما نعبر عن شكرنا بصفة خاصة للأخ الأستاذ الدكتور/ عبد الصبور مرزوق نائب رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وللأستاذ الدكتور/ على جمعة محمد الأستاذ بجامعة الأزهر اللذين بذلا جهودا مضاعفة فى سبيل الإعداد والتحرير لهذا المجلد وإخراجه على هذا النحو الطيب. والشكر موصول أيضا لكل من أسهم بالرأى فى الإصدار الأول وبصفة خاصة الأستاذ/ سامى خشبة.

والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.

أ. د. محمود حمدى زقزوق

1من ربيع أول 1422هـ

24 من مايو 2001م

طور بواسطة نورين ميديا © 2015