لغة: خلق الله العالم: صنعه وأبدعه (1).
واصطلاحا: الخلق مرادف للصنع، وهو ينسب إلى الإنسان على سبيل المجاز، فإذا نسب إلى الله عز وجل كان يعنى: الإيجاد من عدم كما جاء فى قوله تعالى: {قال رب أنى يكون لى غلام وكانت امرأتى عاقرا وقد بلغت من الكبرعتيا. قال كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا} مريم:8 - 9.
وقد وردت كلمة الخلق منسوبة لله عز وجل بالمعنى السالف مائتين وأربعا وخمسين مرة.
وأضيفت للإنسان بمعنى الصنع لا الإيجاد من عدم مرتين كقوله تعالى لعيسى عليه السلام: {وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذنى فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذنى} المائدة:110.وفى قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام لقومه: {إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا} العنكبوت:17.
ويحدث الخلق بقوله تعالى للشىء "كن" فيكون، كما ورد فى قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} يس:82.
ومن أهم السياقات الفكرية التى استخدم فيها مصطلح "الخلق" ثلاثة: "خلق العالم" و"خلق الأفعال" "وخلق القرآن".
وقد عرفت مشكلة خلق العالم منذ القدم وبصفة خاصة فى الحضارة المصرية القديمة وتشهد على ذلك الآثار والمعابد والأجساد المحنطة التى تثبث أيضا وجود عقيدة البعث بعد الموت. وقد عرف الفكر القديم الخلق على فترات متعددة كما فى نظرية الصدور والفيض والعقول العشرة أو نظرية المثل الأفلاطونية أو المحرك الأول عند أرسطو طاليس ثم فى الفلسفة الهيلينية ثم انتقل ذلك إلى الفكر الاسلامى خاصة عند الكندى والفارابى (330هـ /950م) وابن سينا (427هـ /1037م) ويعد المثال الأول عند أفلاطون (347 ق. م) والمحرك الأول عند أرسطو طاليس (322 ق. م.) والحق المطلق أو الخير- المحض عند أفلوطين (270م) المقابل لكلمة الخالق تبارك وتعالى عند المسلمين.
وقد عرف الفكر الإنسانى نظرية "قدم العالم" فى مقابل نظرية "خلق أو حدوث العالم ".
ويرى أصحاب نظرية "قدم العالم" أن العالم قديم قدم الخالق، فهو مخلوق له ولكن لا يتأخر عنه فى الزمان بل يتأخر عنه فى الدرجة فقط لكونه معلولا للخالق. وقد انتقلت هذه النظرية إلى المسلمين عن طريق الفيلسوف الهيلينى برقلس (485 م) الذى تأثر بفلسفة أفلوطين (270 م) والأفلاطونية المحدثة التى نسبت إليه وقد تأثر بها من المسلمين بعض المعتزلة الذين ذهبوا إلى أن المعدوم شىء يكتسب صفة الوجود فيخلق، أى أن الخلق ليس سوى نقل من العدم إلى الوجود. وارتبطت هذه النظرية عند المعتزلة بقولهم بارتباط الجواهر بأعراضها متأثرين في ذلك بنظرية أرسطو طاليس فى المادة والصورة.
وقد تأثر أيضا بعض الفلاسفة المسلمين بهذه النظرية وذهبوا إلى القول بقدم العالم وأثبتوا خلقه فى الزمان. فجاء تقسيم الأشاعرة للموجودات إلى قسمين فقط هما: القديم والمحدث مقابلا لتقسيم المعتزلة للموجودات الى ثلاثة أقسام: قديم ومعدوم ومحدث: فالقديم هو الله تعالى فالق كل شئ. والمعدوم هو الجسم الخالى عن ألأعراض. والمحدث هو الجسم الذى انتقل من العدم إلى الوجود عن طريق اكتسابه للأعراض (2).
إلا أن المعتزلة كانت تفرق بين "العدم" "والمعدوم"، فالعدم هو اللاشىء، أما المعدوم فهو الشىء الذى يمكنه أن يوجد بالخلق ليصبح جسما، وبذلك يكون المعدوم مماثلا للممكن (3).
أما ردود الأشاعرة على المعتزلة ونقدهم مذهبهم فى الخلق والمعدوم فقعد فصل الحديث فيه عبد القاهر البغدادى والشهرستانى وابن حزم وغيرهم (4).
أما خلق الأفعال: فقد ذهب فيه المعتزلة إلى أن الإنسان خالق لأفعاله مسئول عنها أمام الله بناء على إدرته على الفعل والترك، وقدرة الأنسان على أفعاله قدرة مخلوقة فالأنسان قادر بقدرة محدثة يخلقها الله تعالى فيه قبل الفعل، وقد رتبوا على ذلك قولهم بالاستطاعة والاستحقاق، إما استحقاق الثواب أو العقاب (4). ويقابل "الكسب" عند الأشاعرة: "الاستطاعة" عند المعتزلة (5).
أما مشكلة "خلق القران": فقد ترتبت على قول المعتزلة فى الصفات بأن كلام الله مخلوق لأنه مركب من حروف ويحدث فى الزمان ولا يمكن إضافته إلى ذاته تعالى فتشاركه فى القدم.
وقد ترتبه على مغالاة المعتزلة فى هذا القول وتماديهم فى محاولة إجبار علماء السنة على القول بخلق القرآن ما نعرفه فى التاريخ بمحنة الإمام أحمد بن حنبل فى زمن المعتصم إلى أن جاء الخليفة المتوكل ونصر أهل السنة وحرم القول بخلق القرآن، وقد أفرد القاضى عبد الجبار لخلق الأفعال المجلد السابع من كتابه المغنى فى أبواب التوحيد والعدل.
أ. د/السيد محمد الشاهد