لغة: يقصد به الطريقة التى اتخذها العرب فى الكتابة والتى أخذوها عن طريق الأنباط المجاورين للعرب الحجازيين.
واصطلاحاً: عُرِفَ هذا الخط بعدة أسماء منها: الخَطّ الأنْبارى والخَطّ الحيرى.
ومع ظهور الإسلام وانتشاره خارج الحجاز عُرِفَ هذا الخط بالخط البَصْرى والخط الكوفى. يقول ابن النديم: فأول الخطوط العربية الخطّ المكى وبعده المدَنى ثم البَصْرى ثم الكوفى. فأما المكى والمدنى ففى ألفاته تعويج إلى يمنة اليد وأعلى الأصابع وفى شكله انضجاع يسير.
ظَلَّ الخط العربى المبكر خاليا من النَّقْط وحركات الإعراب إلى أن وضع أبو الأسود الدُّؤَلى المتوفى سنة 69 هـ/688 م طريقة لإصلاح الألسنة، فوضع نقطة فوق الحرف للدلالة على فتحته، ونقطة تحت الحرف للدلالة على كسرته، ونقطة عن شماله للدلالة على ضَمَّته، وإذا كان الحرف مُنؤَّناً وضع نقطتين فوقه أو تحته أو عن شماله. ولم تشتهر طريقة أبى الأسود الدُّؤَلى إلا فى المصاحف حرصا على إعراب القرآن.
ثم طلب الحجاج بن يوسف الثَّقفى- والى العراق- إلى كُتّابه أن يضعوا علامات لتمييز الحروف المتشابهة بعد أن كثر التصحيف نتيجةً لدخول الأعاجم فى الإسلام. فتولَّى عملية الإصلاح الثانى فى الكتابة العربية نَصْر بن عاصم اللَّيْثى ويحيى بن يَعْمُر العدوانى فقَّررا وضع نُقَط لتمييز الأحرف المتشابهة. ولما كان هذا الإصلاح يستدعى اشتباه نُقَط الشكل بنُقَط الإعجام قَرَّر نَصْر ويحيى أن تكون نُقَط الشكل بالمداد الأحمر ونُقَط الإعْجام بنفس مداد الحروف. وأخيراً وضع عالُم اللغة الشهير الخليل بن أحمد الفراهيدى المتوفى نحو سنة 170هـ/879 م طريقة جعل فيها الشكل بنفس مداد الكتابة وهى العلامات التى مازالت تستخدم إلى الآن.
تَطَوُّر الخَطّ العربى:
أخذ الخَطُّ المُحَقَّق- الذى كان يكتب به الوَرَّاقون- فى التحسن حتى عصر الخليفة المأمون، وبدأ فى التحوُّل من الشكل الكوفى إلى الشكل الذى هو عليه الآن على يد الأحْوَل الُمحرِّر، أحد صنائع البرامكة، ثم أتمَّه بعده الوزير أبو على محمد بن على بن الحسن بن مُقلْة المتوفى سنة 328 هـ/ 940 م الذى انتهت إليه وإلى أخيه أبى عبد الله جودة الخط وتحريره على رأس الثلاثمائة وإن بقى فيه تكويفٌ ما.
ويُعَدّ ابن مُقْلَة أوَّل من هندس الحروف وقَدَّر مقاييسها وأبعادها بالنُّقَط وضبطها ضبطاً محكماً، واستخلص من الأقلام الموجودة ستة أقلام هى: الثُّلُث والنَّسْخ والتوقيع والرَّيحان والمُحَقَّق والرِّقاع، وأصبح يُطلْق على هذا الخط المُنْضَبط "الخط المنسوب "، ويمكن اعتبار ابن مُقْلَة وبحق منشىء الخط المنسوب، وكانت طريقته هى إكساب كل حرف من حروف الهجاء نسبة محدَّدة إلى حرف الألف ممَّا أدَّى إلى تنظيم قياسى دقيق للحروف الهجائية.
وقرب منتصف القرن الرابع الهجرى ظهر طرازٌ جديد من الكتابة رسمت بعض حروفه بخطوط مائلة مميزة، والبعض الآخر ذو رءوس مثلثة الشكل عرف باسم "شبيه الكوفى" أو "الكوفى المائل " أو "الكوفى الفارسي الشرقى". ووصلت إلينا من هذا الخط نماذج كثيرة أهمها المصحف الذى كتبه علىّ بن شاذان الرازى سنة 361 هـ/972 م وقد أضفى أبو الحسن على بن هلال البغدادى المعروف بابن البَوّاب على الخط العربى العنصر الفنى الذى كان يفتقد إليه الخط المنسوب الذى ابتدعه ابن مُقْلَة.
ثم جاء جمال الدين ياقوت بن عبد الله المستعصى المتوفى سنة 698 هـ/ 1299م المعروف بـ " قِبْلَه الخَطّاطين " ليلعب دوراً مهما فى تطوير الخط العربى وتجويده مُضْفياً عليه كمالاً وحُسْناً جعلت منه رائداً لمن جاء بعده من الخَطاطين. واتَّسَم خطه بالرقة والرشاقة ويُنْسَب إليه شَذْب القلم، وكتب ياقوت الكثير من المصاحف والكتب مازال بعضها محفوظاً فى دور الكتب العالمية. وكانت بغدادُ مركزاً لكل هذه التطورات.
وأصبح فَنُّ الخط بعد ياقوت المستعصمى ساحة التنافس البارزة فى مجال الفنون. ولكن بغداد- أو العراق بمعنى أصح- فقدت مكانتها كمركز ريادى بعد سقوط الخلافة، وتدلنا الكتابات الكثيرة الموجودة على العمائر المملوكية والمصاحف الضخمة التى وصلت إلينا على أن مصر فى عصر المماليك أصبحت المركز الهام الثانى بعد بغداد مباشرة فى فن الخط حتى نهاية القرن التاسع الهجرى، ونما بها بصفة خاصة: الخط المُحقَّق والخط الرَّيْحان اللذين استخدما فى كتابة المصاحف.
وقد صارت فى مصر طريقةُ ابن البَوّاب جنباً إلى جنب مدرسة بغداد وما ابتدعه ياقوت المُسْتَعْصِمى حتى ظهور المدرسة العثمانية فى الخط. وصار شيخ التجويد فى مصر الذى يُضرَب بجودة خطه المثل أبا عبد الله يوسف الذَّرْعى الدمشقى المعروف بابن الوَحيد الكاتب المتوفى سنة 711 هـ/ 1311م، والذى كتب للسلطان بيبرس الجَاشنكير مصحفاً من سبعة أجزاء بالخط المُحَقّقَ محفوظ الآن بمكتبة المتحف البريطانى. وكذلك عبد الرحمن بن يوسف بن الصَّائِع المتوفى سنة 845 هـ/1442 م الذى تحتفظ دار الكتب المصرية بمصحفين بخطه تحت رقم 11 و 16 مصاحف.
وعرفت تركيا العثمانية منذ مطلع القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى مدرسة جديدة فى فن الخط تأثَّرت فى بادئ الأمر بمدرسة ياقوت المستعصمى، ولكن سرعان ما أصبحت لها سماتها الخاصة التى مهدت السبيل للدخول إلى العصر الذهبى لفن الخط العربى الإسلامى بفضل خطاطين من أمثال الشيخ حَمد الله بن مصطفى المعروف بابن الشيخ الأمايسى (833 - 922 هـ/1429 - 1520م الرائد الأكبر للخطاطين الأتراك الذى أدخل على خَطَّى النَّسْخ والثُّلُث إصلاحات أساسية، فأضفى جمالاً باهرا على هذين الخطين، فبينما نجد عند ياقوت أن الحروف التى تُخَطّ من أعلى إلى أسفل (أ. ك. ل.) لم تكن متوازية، فإنها أصبحت عند الشيخ حمد الله متوازية دائما. وشهد الربع الأخير من القرن الحادى عشر الهجرى / السابع عشر الميلادى مرحلة جديدة فى تطوير الخط العربى مع الحافظ عُثمان بحيث استقرت فى القرن الثانى عشر الهجرى/ الثامن عشر الميلادى الأقلام الستة.
أ. د/ أيمن فؤاد سيد