42 - الحمدانيون

الحمدانيون دولة من أمراء العرب ملكت الموصل والجزيرة والشام فى زمن الخلافة العباسية. وهم ينتسبون إلى حمدان بن حمدون بن الحارث، وتعود أصولهم إلى قبيلة تغلب التى كانت مسيحية الديانة.

وأمير هذا البطن فى النصف الثانى من القرن الثالث الهجرى هو حمدان بن حمدون، وقد استطاع حمدان إبان فترة اضمحلال الخلفاء العباسيين أن يستقل بقبيلته فى منطقة قريبة من الموصل سنة 260 هـ.

ومن أبناء حمدان الحسين بن حمدان، الذى أصبح قائدا من قادة الخليفة البارزين، وقد اشتهر بحروبه التى قادها ضد القرامطة، وقد ناصر عبد الله بن المعتز، الذى بويع بالخلافة لمدة يومين عام 296 هـ، فكرهه المقتدر، وعزله من مناصبه، ثم عفا عنه، وولاه " قم قاشان " ثم عاد واختلف معه، وسجنه ومات فى السجن عام 306 هـ، ثم خلفه على ديار ربيعة أخوه إبراهيم عام 307 هـ وتوفى عام 308 هـ، ثم أخوه داود حتى عام 309 هـ. وأما سعيد بن حمدان فقد تولى أمر الموصل ونهاوند.

وفى سنة 292 هـ عين أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان حاكما للموصل وما حولها، وقد أتاح هذا الوضع الفرصة للحمدانيين؛ ليقوى جاههم وتبنى قوتهم.

وقد انتهى أمر أولاد حمدان كلهم قبل نهاية عام 322 هـ، غير أن عبد الله بن الهيجاء، قد أناب عنه فى الموصل ابنه الحسن ناصر الدولة، فاستطاع أن يحتفظ بها منذ أن تولى أمرها عام 308 هـ حتى توفى عام 358 هـ باستثناء مدة قصيرة عام 317 - 319 هـ بسط عماه سعيد ونصر نفوذهما عليها بأمر المقتدر. وكان هؤلاء الملوك رافضة.

وفى عام 323 هـ قتل ناصر الدولة الحسن بن عبد الله عمه سعيدا أبا العلاء والد أبى فراس، عندما أراد أن ينتزع منه الموصل. وكان ناصر الدولة وأخوه سيف الدولة على بن عبد الله بجانب الخليفة حتى جاء البويهيون، فوقعوا فى صدام معهم، ثم تصالحوا، لكن عادوا فاختلفوا، كما حاربوا البريديين الذين كانوا فى الأهواز، ودخلوا مدينة واسط.

وقد استولى ناصر الدولة على قنسرين عام 332 هـ من الأخشيد، وأعطى إمرتها لابن عمه الحسين بن سعيد الحمدانى، كما استولى سيف الدولة الحمدانى على حلب عام 333 ص وتولى أمرها.

وقد تقاتل ناصر الدولة الحمدانى أمير الموصل مع القائد تكين التركى، وتمكن ناصر الدولة من تكين، واستقر له الأمر بالموصل والجزيرة عام 335 هـ.

وفى عام 336 هـ حدث خلاف شديد بين معز الدولة البويهى وناصر الدولة الحمدانى، ودارت بينهما حروب ومناوشات، وفى عام 345 هـ تدخل سيف الدولة الحمدانى للصلح بينهما، وتعهد سيف الدولة بأن يحمل ناصر الدولة إلى دار الخلافة فى بغداد فى كل عام مليونين وتسعمائة درهم، كما تعهد سيف الدولة أن يؤدى ما على أخيه من أموال. وعقد ناصر الدولة لابنه أبى تغلب ضمان الموصل وديار ربيعة والرحبة مقابل مال مقرر، وذلك عام 353 هـ، ثم اختلف ناصر الدولة مع ابنه أبى تغلب، فسجن الولد أباه، وظل فى السجن حتى مات فى عام 358 هـ. وأما الحمدانيون فى حلب فقد كان أميرهم سيف الدولة فى صراع دائم مع الروم بصفته كان أمير الثغور، أو أن الثغور قد آلت إمرتها إليه لا بصفته مجاهدا أو بطلا مغوارا، إذ لم يكن كذلك كما تصفه كتب الأدب من خلال مدح المتنبى له؛ حيث كان يطمع من ورائه الحصول على إمارة، فمديحه قول شاعر صاحب غاية.

وقد دخل سيف الدولة بجيش كثيف بلاد الروم غير أنه هزم، وأخذ الروم كل ما بأيدى هذا الجيش الحمدانى، وفى عام 339 هـ عاد سيف الدولة فدخل بلاد الروم بجيش عظيم، فانتصر وأخذ عددا كبيرا من الروم أسارى، غير أن الروم قد قطعوا عليه الطريق أثناء العودة فهزموه وأخذوا ما معه من الأسرى، ونجا سيف الدولة بنفر يسير، وعاد سيف الدولة إلى بلاد الروم عام 342 هـ، وتمكن من إحراز النصر فى هذه المرة، وفى العام التالى أغار على زبطرة وملاطية، وهى ثغور إسلامية استولى عليها الروم، والتقى مع قسطنطين بن الدمشتق، فانتصر عليه، وقتل أعظم رجاله، ثم التقى بجيش الدمشتق عند "مرعش " وتغلب عليه، وأسر صهر الدمشتق وابن ابنته، وهذا ما شجعه فعاد إلى بلاد الروم عام 345 هـ فأحرز انتصارا كبيرا وعاد إلى حلب غانما، وكانت هذه أعظم انتصارات سيف الدولة على الروم.

وامتداد هذا الصراع بين سيف الدولة والبزنطيين كان بها هزائم وانتصارات للحمدانيين، ولكن المتنبى استطاع بشعره أن يجعل الهزيمة نصرا، وأن يسجل مواقف البطولة لممدوحه.

وفى عام 354 هـ ثار مروان أحد القرامطة فى مدينة حمص وامتلكها من سيف الدولة، فأرسل إليه سيف الدولة مولاه بدر، فالتقيا فى معركة أصيب فيها مروان بسهم مسموم فمات، وفى نفس الوقت أسر بدر فى هذه المعركة، وقتله أصحاب مروان.

وفى عام 355 هـ تمت المفاداة بين سيف الدولة والروم، وكان من بين أسرى الحمدانيين أبو فراس الحمدانى. وما أن توفى سيف الدولة عام 356 هـ فخلفه ابنه سعد الدولة أبو المعالى، فاصطدم مع خاله أبى فراس فقتله عام 357 هـ وبعد وفاة سيف الدولة الحمدانى بدأت دولة الحمدانيين فى الانحلال، وقد انقرضت دولة بنى حمدان سنة 460 هـ.

وقد ازدان بلاط سيف الدولة الحمدانى بنخبة ممتازة من رجال الأدب والفن لا تباريها إلا حلقات خلفاء بغداد فى أيام عزهم، فقد ضمت الفيلسوف الشهير والموسيقى البارع أبا نصر الفارابى، ومؤرخ الأدب العربى أبا الفرج الأصفهانى، والنحوى الشاعر ابن جنى وغيرهم.

(هيئة التحرير)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015