لغة: حَمى الشىء حَمْيًا وحمى وحماية ومحمية: منعه ودفع عنه، واحْتَمى وتحَمَّى امتنع، والحامية: الرجل يحمى أصحابه فى الحرب، وهم أيضا الجماعة يحمون أنفسهم، وفلان على حامية القوم أى آخر من يحميهم فى انهزامهم، وأحمى المكان جعله حمى لا يُقرب 0 (1)
واصطلاحا: تأمين المقومات الضرورية لحياة الإنسان وهى الضرورات الخمس: الدين- النفس- العقل- المرض- المال (2).
ولقد تكفل الإسلام بحماية هذه الحرمات ووضع ما يكفل لها الوجود، وقد التقت كلمة الأديان السماوية على تقديس هذه الحرمات وربما شاركتها فى ذلك القوانين الوضعية على تفاوت يظهر فى تقديم بعضها على بعض، وفى التحلل أيضا من بعضها.
وهذه الضرورات أو المقومات الضرورية لوجود المسلم وحياته حياة ترضى له بحسب ما ينبغى أن تكون يأتى ترتيبها من حيث قيمتها وأهميتها بالمقاييس الإسلامية الخالصة.
فيأتى الدين أول هذه الضرورات الواجبة الحماية لأن دين المسلم أعز عليه وأقدس من كل ماعداه، وهو بالنسبة لمجتمع المسلمين الوطن الحقيقى.
فقد وضع الله (الدين) فى كفة وما عداه من مقدسات الحياة كلها فى كفة قال تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره} (التوبة 24).
فالعدوان على الدين بالنسبة لشخص المؤمن به: فتنة أو إكراه أكبر من العدوان على ذات نفسه.
ثم تأتى النفس وهى مقدمة بعد الدين على سائر ما يحرص الإنسان على حمايته، قال تعالى: {يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} (عبس 34 - 37) ألا وهى النفس التى شغلته عن هؤلاء جميعا.
ثم العقل، لأن به تتقوم إنسانية الإنسان وأهليته لما خلق له من مكانة فى ملكوت الله، ورسالة تفرد بها بين مخلوقات الله قال تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان} (الأحزاب 72) وسقوط التكليف عن المجنون قاطع بأن العقل هو مناط التكليف وبه يكون الإنسان إنسانا.
ثم يأتى أخيرا المال لأنه قوام الحياة فى بعدها المادى القائم على إشباع حاجات الجسد أولا وإن تسامى به الإسلام فجمله مع ذلك أداة من أدوات تطهير الروح وتزكية النفس.
فبدأ النظر الإسلامى من أعلى ليبدأ بالدين ولينتهى بالمال.
كيف يحمى الإسلام هذه المقومات؟
لقد أقر الإسلام حدودا يحمى بها هذه المقومات الضرورية لحياة الإنسان وقابلها بحدود بحسبها: فإزاء حرمة الدين كان حد الردة وإزاء حرمة النفس: كان حد القتل أو القصاص.
وإزاء حرمة العقل: كان حد الخمر.
وإزاء حرمة العرض: كان حد الزنا وحد القذف
وإزاء حرمة المال: كان حد السرقة.
أما الحرابة فهى حد انتهاك لحرمات المجتمع كلها.
ضرورة الحماية وأثرها:
إذا أمن الفرد على دينه ونفسه، وسلم له عقله وعرضه، وحفظ له ماله فقد جمعت أطراف الأمن كلها.
وإذا أمن المجتمع من الخارجين عليه ممن يسمون فى عصرنا " المخلين بالأمن العام "
فقد تهيأ مناخ صالح يتنفس فيه الأفراد حرياتهم، وينعمون بالطمأنينة والأمان، فتنطلق الطاقات فى ميدان العمل المنتج، وقد وقفت وراءها دوافع قوية منشؤها توافر مقومات الحياة التى وضع الإسلام نظاما لحمايتها وصيانتها والحفاظ عليها.
فحينما قال الله تعالى {فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه} (الملك 15) فقد أرسى سبحانه قواعد تأمين وحماية حركة الإنسان على الأرض وإشاعة جوِّ من الأمن والطمأنينة بحيث ينطلق الناس متحررين من المخاوف ممثلة فى الحدود.
ولقد كان من أول ما امتن الله به على من دعاهم لدينه، أن أطعمهم من بعد جوع وآمنهم من بعد خوف {فليعبدوا رب هذا البيت، الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} (قريش 3 - 4)
(هيئة التحرير)
1 - لسان العرب مادة (حمى) ج 14/ 198 ط بيروت دار صادر.
2 - أثر إقامة الحدود فى استقرار المجتمع د/ محمد حسين الذهبى ص 27 - 28 ط وهبة القاهرة 1986 م.