لغة: الحقّ نقيض الباطل، جمعه حقُوق وحقاقٌ وحَقَّ الأمر يَحِقُّ حقا وحقوقا: صار حقا وثبت.
وأحقه: كان منه على يقين (كما فى اللسان) (1)
وقد وردت فى القرآن مادة (ح. ق. ق) فى مائتين وثلاثة وثمانين موضعا بدءا من سورة البقرة فى قوله تعالى {فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم} (آية 26) وانتهاء بسورة العصر فى قوله جل وعلا: {وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} (آية 3) وقد جاءت فى صور الكلمات الآتية (حق- حقت- بحق- استحق- بالإفراد والتثنية" الحق- حقا- حقه- حق- حقيق).
وفى السنة النبوية جاءت فى مائة وثمانية وخمسين حديثا (2).
واصطلاحا: يقصد بها حفظ الضروريات الخمس للإنسان وهى: النفس والعقل والدين والمال والنسل.
فحقوق الإنسان فى الإسلام أشمل وأعمق من حقوق الإنسان فى الوثائق الوضعية لأن مصدرها كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) فالإسلام تناول الحق وقرره، وساوى فيه بين الناس، مما أعلى من قيمهم الإنسانية: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} (الحجرات 13) وجاء فى خطبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى حجة الوداع: " أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد فكلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربى فضل على أعجمى إلا بالتقوى ".
إن إقرار حقوق الإنسان بمفهومها الإسلامى وأهمها حقه فى الحرية والمساواة تعد مدخلا لإقامة المجتمع الصالح وبما أن الأسرة نواة المجتمع نجد الإسلام يحوطها بحمايته ويهيئ لها كل أسباب الاستقرار والتقدم. أما بالنسبة للمجتمع ككل فالسلطة فيه تعد أمانة فى عنق الحاكم، وتقرر فيه السياسات التى تنظم شئونه طبقا لمبدأ الشورى وتتوافر فيه الفرص المتكافئة للجميع، حتى يتحمل كل فرد فيه مسئولياته بحسب قدرته وكفاءته. وبهذا قضى الإسلام على الطائفية وأساليب التفرقة بين الطبقات وجعل المساواة حقا مقررا فى الإسلام: {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد} (فصلت 46).
وفى الحدود يعلن النبى (صلى الله عليه وسلم) عن ربه: {ولا يظلم ربك أحدا} (الكهف 49) ومن أجل ذلك يقول لمن تشفع عنده فى حد من حدود الله: (والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها).
وأقر الإسلام حق الملكية للأفراد ومنع الاعتداء عليها حيث نسب المال إلى أصحابه: {واعلموا إنما أموالكم وأولادكم فتنة} (الأنفال 28) فقال تعالى: أموالكم فنسب المال إلى أصحابه.
وتستمد حقوق الإنسان فى الشريعة الإسلامية من أربعة مصادر: أولا: القرآن الكريم وهو الأصل الذى تتفرع منه كل المصادر وقد وضع المبادئ التالية:
1 - الدعوة إلى حياة إنسانية فاضلة من غير تمايز.
2 - الأمر بالمعروف الذى عرفته الشريعة الإسلامية.
3 - حماية حقوق الإنسان الأساسية من عدم الإكراه فى الدين وحرمة دمه وحق كل إنسان فى العمل وملك ثمراته وضمان حريته الشخصية وحصانة بيته وصيانة ماله وضمان العدالة فى الحكم.
ثانيا: السنة النبوية المشرفة وهى فى جملتها تابعة للقرآن الكريم تفصل ما أجمله.
ثالثا: الإجماع وقد اعترف القرآن والسنة بالإجماع كأصل ثالث من أصول الشريعة.
رابعا: الاجتهاد: ويقصد به الرأى الذى يصدر عن علماء الشريعة فى كل زمان ومكان.
وبهذا فقد قرر الإسلام للإنسان قوانين لم تبلغ إليها القوانين الحديثة لصون كرامة الإنسان وحقوقه (3)، وفى العصر الحديث نادت أصوات غربية تندد بالظلم وتنادى بالمساواة وإقامة العدل بين الناس مما شجع على ظهور حركة تحرير العبيد، والتمرد على الاستبداد بكل أشكاله، وتجلى ذلك فى تلك الوثيقة التى وضعت، وبدأت الدول تعمل على تقريرها وحمايتها منذ عام 1215م عندما أعلنت الوثيقة الإنجليزية تمرد البارونات على عهد الملك جون.
أما فى فرنسا فقد صدر إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام 789 1م وقد ألحق بدستور سنة 791 1م الذى نص على (أن الناس خلقوا أحرارا ومتساوين فى الحقوق وأن هدف كل دولة هو المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية التى لا تقبل السقوط (4).
وإذا نظرنا إلى إعلان حقوق الإنسان بعد الثورة الفرنسية سنة 789 1م والإعلان العالمى لحقوق الإنسان سنة 1948 م ومبادئ القانون الدولى العام والأعراف الدولية، تجدها جميعا تتباهى بما تنطوى عليه من ذكر لحقوق الإنسان، على الرغم من أن التمييز مازال قائما بين الأفراد فى البلد الواحد وبين الدول بعضها البعض وحسبنا فى ذلك أن هذه المصادر والقوانين من صنع البشر حيث تختلف لديهم معايير المساواة فى الحقوق والواجبات كما تختلف معايير الحرية التى يتمتع بها الإنسان. رغم كون الإعلان ترديدا عاديا لبعض الوصايا النبيلة التى تلقاها المسلمون عن الرسول الكريم (5).
(هيئة التحرير)