21 - الإسراف

لغة: تجاوز الحد فى كل فعل يفعله الإنسان، فيقال أسرف فى ماله، وأسرف فى الكلام، وأسرف فى القتل، وسرف الماء: ما ذهب منه فى غيرسقى ولا نفع كما فى الوسيط. (1)

واصطلاحا: مجاوزة الحد فى إنفاق المال، ويقال: تارة باعتبار القدر وتارة باعتبار الكيفية وقد ذكر الفقهاء أن للإسراف حالتين:

1 - أن يقع الإنفاق فى الحرام.

2 - أن يكون الإنفاق فيما هو مباح الأصل لكن لا على وجه مشروع، كإنفاق المال الكثير فى الغرض الخسيس، وكأنه يضعه فيما يحل له لكن فوق الاعتدال ومقدار الحاجة.

وقد أشارت الآيات القرآنية إلى الإسراف والمسرفين فى إحدى وعشرين موضعا.

أولا: اختص أكثر من نصفها بالتفريط والتقصير فى واجب طاعة الله وعبادته، وتجاوز حدود تلك الطاعة، وذلك:

1 - بإسراف العباد على أنفسهم فى المعاصى والآثام، فى قوله {قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله} الزمر:53، {ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا} آل عمران:147.

2 - الإسراف فى الضلال والانهماك فى الشهوات وعدم تصديق كلام الله وآياته البينات فى قوله {وكذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه} طه:127. وقوله {كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب} غافر:34.

3 - الإسراف فى العصيان والإجرام وتجاوز الحدود وقتل الأنبياء والرسل، فى قوله {ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين} الأنبياء:9، وقوله {ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك فى الأرض لمسرفون} المائدة:32، وقوله {كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون} يونس:12، وقوله {ولا تطيعوا أمر المسرفين} الشعراء:151، وقوله {أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين} الزخرف:5، وقوله {مسومة عند ربك للمسرفين} الذاريات:34، وقوله {وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار} غافر:43.

4 - الإسراف فى تجاوز الحدود من كل شىء والخروج على الفطرة، كما قال لوط لقومه {بل أنتم قوم مسرفون} الأعراف:81.

5 - وضع القرآن فرعون على رأس المسرفين لتجاوزه الحد فى الطغيان والإجرام إلى حد ادعائه للربوبية، فى قوله {وإن فرعون لعال فى الأرض وإنه لمن المسرفين} يونس:83.

ثانيا: بينت الآيات كذلك أن التجاوز الذى يكون فى الحقوق والواجبات يسمى إسرافا، ينهى الحق تعالى عنه.

1 - كما فى حق القصاص فى قوله {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا} الإسراء:33.

2 - وفى حق اليتامى فى قوله {ولاتأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا} النساء:6.

3 - وفى حق زكاة الزروع والثمار فى قوله {وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} الأنعام:141.

4 - وفى حق الأكل والشرب {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} الأعراف:31، فهو سبحانه لا يحب المسرفين المتعدين لحدود الله فيما أحل وفيما حرم.

وقد أكدت الأحاديث النبوية النهى عن الإسراف فى الإنفاق، فعن أبى أمامة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والسرف فى المال والنفقة، وعليكم بالاقتصاد، فما افتقر قوم قط اقتصدوا) رواه الديلمى. (3)

كما عرَّف عليه السلام الإسراف فى الأكل بقوله عن أنس: (إن من السرف اًن تاكل كل ما اشتهيت) رواه ابن ماجه. (3) وقوله عن عائشة (أكثرمن أكله كل يوم سرف) رواه البيهقى فى شعهب الإيمان.

إن الإسلام ينهى عن شتى صور الإسراف الذى هو خروج عن الوسط والاعتدال بالزيادة فى كل التصرفات الإنسانية - وإن كانت حلالا - ذلك أنه يترتب على الإسراف الاقتصادى خاصة: إهدار الوقت والجهد والموارد، وقصورها - على وفرتها - عن تلبية الحاجات الإنسانية، وتوفير السلع والخدمات اللازمة لإشباعها، مما يجعل الإسراف أحد الأسباب الرئيسية لما يعانيه العالم من مشاكل اقتصادية تتمثل فى عدم كفاية الموارد لتحقيق حاجات البشر، وهو ما تؤكده الإحصائيات الدولية من إصابة البعض بأمراض التخمة والسمنة، بينما يقضى الجوع على أعداد متزايدة من البشر.

أ. د/نعمت عبد اللطيف عاشور

طور بواسطة نورين ميديا © 2015